هل يمكن أن نقول: إن النظام الاقتصادي الإسلامي تركيب بين الرأسمالية و الاشتراكية ؟
المقدمة: إذا كان النظام الاقتصادي الرأسمالي يقوم على الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و النظام الاشتراكي يقوم على الملكية الجماعية، و إذا كان النظام الاقتصادي الإسلامي يجمع بينهما، حيث يعترف بالملكية الخاصة و العامة. هل هذا يعني ان النظام الاقتصادي الإسلامي تركيب بين الرأسمالية و الاشتراكية ؟ و إذا كان كذلك فهل هو تركيب لهما فقط أم يتعداهما الى مبادئ أخرى لا نجدها لا في الرأسمالية و لا في الاشتراكية؟
التوسيع:
النظام الاقتصادي الإسلامي هو مجموعة من الأصول الاقتصادية العامة التى تستخرجها من القرآن و السنة، أما الرأسمالية فهي مجموعة القوانين الاقتصادية التى تقوم على الحرية الفردية للنشاط الاقتصادي، و التى ناد بها الاقتصادي الإنجليزي آدم سميث. في مقابل الاشتراكية التى ناد بها كارل ماركس و التى تقوم على الاقتصاد الموجه من طرف الدولة.
إذا كان لكل فكرة نقيض كما يقول هيجل فان الاشتراكية نقيضة الرأسمالية، و إذا كان للفكرة و نقيضها تركيب يجمع بين محاسن الأولى و الثانية، فان النظام الاقتصادي الإسلامي يمثل هذا التركيب الذي يجمع بينهما و الذي يمكن أن يلتقي عنده النظامان في نقطة واحدة كما يرى بعض الاقتصاديون، والدليل على ذلك ان الرأسمالية إذا كانت تنظر الى الفرد على أنه محور الوجود و غايته، فقدمت مصلحته على مصلحة الجماعة و أعطت له حق الملكية و الحرية الاقتصادية و إذا كانت الاشتراكية على العكس من ذلك تماما، تضحي بمصلحة الفرد في سبيل مصلحة الجماعة فألغت الملكية الفردية و الحرية في ممارسة النشاط الاقتصادي، فان النظام الاقتصادي الإسلامي يجمع بين الملكيتين و لا يقدم مصلحة عن أخرى، يعترف الإسلام بحق الملكية للفرد التى يبيحها. يقول تعالى "...الخ.ل نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن...الخ .
يقول أيضا " المال و البنون زينة الحياة الدنيا " كما يعترف بالملكية الجماعية و جعل بعض مرافق الحياة في خدمة جماعة المسلمين و يشمل هذا النوع من الملكية عادة المرافق الأساسية في المجتمع، كالطرقات، مجاري الأنهار...الخ .
وإذا كانت الملكية فردية في الإسلام فان الفقير له حق فيها، يجب على الغني إعطائه إياها و هذا الحق يعتبر ملكية جماعية، قال الرسول (ص) لمعاذ حين بعثه الى اليمن " فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تأخذ من أغنيائهم و ترد الى فقرائهم".
اقر الإسلام الزكاة و جعلها فريضة على أغنياء المسلمين يساعدون بها الفقراء للتقارب الفوارق بين الطبقتين، يقول تعالى " حتى لا تكون دولة بين الأغنياء منكم ". في حين أرادتها الرأسمالية بدون حدود، و ألغتها الاشتراكية. كذلك في مسالة ممارسة النشاط الاقتصادي ليس كله في يد الأفراد، بل هو في يد الأفراد يبيعون و يشترون ينتجون و يستهلكون مثلما يريدون. و لكنه احتفظ بحق الدولة في تنظيمه أو مباشرته إذا كان النشاط يعجز عنه الأفراد فمثلا الدولة تحارب الربا امتثالا لقوله تعالى " و أحل الله البيع و حرم الربا " و تحارب الاحتكار لقوله (ص) " لا يحتكر إلا خاطيء ".
نستنتج من هذا أن الإسلام ينظر الى الإنسان مثلما تنظر إليه الرأسمالية، على أنه مخلوق له دوافعه الفطرية كغريزة التملك و حب المال التى تدفع الإنسان الى الكسب و التعمير، لكنه لم يطلق لها العنان كما فعلت الرأسمالية بل نظمها بقواعد و شروط حتى لا تطغى مصلحة الفرد على الجماعة. وضع الإسلام حدودا للنشاط الاقتصادي للأفراد و لحقهم في الملكية، لكنه لم يصادرهما كما فعل النظام الاشتراكي. و يمثل بذلك الوسط بين النظامين الاشتراكي و الرأسمالي.
غير أن التقاء النظامين في نظام وسط يمثل تركيبا لهما لن يعطي لنا النظام الاقتصادي الإسلامي. إن النظام الاقتصادي الإسلامي لا يركب بين النظامين، و لا يمثل نقطة التقاء بينهما فقط، لأنه يقوم على مبادئ خاصة به تجعل منه نظاما اقتصاديا مستقلا بذاته. فإذا كان النظام الاقتصادي الإسلامي يجمع بين حرية الممارسة الاقتصادية للأفراد، و مراقبة الدولة لها، و هذا ما يعتبر نقطة و وسط بين الرأسمالية و الاشتراكية، فان المسلم يشعر قبل رقابة الدولة بوجود رقابة أخرى أعلى و أرفع. إنها رقابة الله عز و جل التى ينبض بها ضميره الحي، الذي يخاف من الله، قبل خوفه من الدولة و القانون. والمسلم لا يعمل لكسب المادة فقط، مثلما يعمل العامل في النظام الرأسمالي و الاشتراكي بل يعمل إرضاء لوجه الله تعالى، إن العمل عبادة في الإسلام، يقول الله تعالى:" و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون." و يقول أيضا:" و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا، وإن كان مثقال حبة من خردل أتيناها و كفى بنا حاسبين." و يقول الرسول(ص):" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه." كذلك بالنسبة للملكية، ففوق الملكية الفردية و الجماعية التى يعترف بها الإسلام، توجد ملكية أخرى أعلى و أرفع هي ملكية الله عز وجل فالمؤمن يشعر أن ما رزقه الله من أموال ليست سوى أمانة في رقبته عليه أن يحسن استغلالها حتى لا ينزعها الله منه فأمواله في الحقيقة هي أموال الله تعالى الذي استخلفه عليها. يقول الله تعالى:" إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..." هذا لأن النظام الاقتصادي الإسلامي جزء من نظام الإسلام الشامل و يكون للنشاط الاقتصادي في طابع ديني مصبوغ بالمبادئ الأخلاقية الإسلامية، في حين تفصل الرأسمالية بين النشاط الاقتصادي، و بين الدين و الأخلاق، فآدم سميث يرى أن تدخل الدولة أو الأخلاق في النشاط الاقتصادي يعرقله و يضربه. لذا ينبغي عنده أن يترك النشاط الاقتصادي يأخذ مجراه الطبيعي. كذلك يرى كارل ماركس أن غاية العمل الإنتاج المادي و حارب الدين و الأخلاق و رأى فيهما من السلبيات ما تضر بالشعوب. فالدين عنده أفيون الشعوب. ان الرأسمالية و الاشتراكية نظامان ماديان، بينما يكون النظام الاقتصادي الإسلامي نظاما روحيا، لا يهمل الجانب المادي، وان كانت المادة فيه في خدمة الروح.
هكذا تكون أساس المعاملة الاقتصادية في الإسلام، الأخلاق الإسلامية التى أمر بها عز وجل، وأكدها الرسول(ص)، يقول الله تعالى:" إن الله يأمر بالعدل و الإحسان.." أما من الناحية المنطقية فان هيجل يرى أن لكل فكرة = نقيضا = ثم التركيب بينهما .
أي ان التركيب يأتي بين الفكرة و نقيضها. وهنا نتساءل كيف يمكن ان نقول ان النظام الاقتصادي الإسلامي تركيب بين النظام الرأسمالي (الفكرة) و النظام الاشتراكي (نقيض الفكرة)و هو أقدم منهما بقرون طويلة؟
الخاتمة: وهكذا نستنتج أن النظام الاقتصادي الإسلامي يجمع بين محاسن الاشتراكية و الرأسمالية، و ان كان التقاؤهما في نقطة واحدة لن يعطي لنا النظام الاقتصادي الإسلامي، الذي يتعداهما الى مبادئ لا نجددها في النظامين.