هل يمكن إقامة الأخلاق على أساس العقل ؟
مقدمة: ان المذاهب الأخلاقية و جدت نتيجة محاولة الفلاسفة فهم و تفسير الأخلاق العملية أي السلوك النفسي للناس و لذلك فأول خلاف واجهته هذا المذهب هو أساس القيم الأخلاقية و قد تعددت المذاهب الأخلاقية تبعا لتعدد هذه الأسس و التى من أهمها العقل فهل يمكن اعتبار العقل أساسا و حيدا للقيم الأخلاقية ؟ بمعنى آخر هل يمكن ان يجمع الناس كلهم على ان الأخلاق تبنى على العقل و حده ؟
التحليل: العقل أساس القيمة الخلقية:
يذهب بعض الفلاسفة الى أن العقل هو الذي يصنع القيم الأخلاقية و ان القيم الأخلاقية تتمثل في الفضيلة حيث كان سقراط يقول " إن العقل مصدر الفضيلة و الخير الأسمى " إلا أن هذا الموقف بعثه من جديد و بقوة الفيلسوف الألماني " ايمانويل كانط " (1724 / 1804 ) الذي كان يرى ان العقل هو أساس القيم الأخلاقية و ان هناك مبدأ واحد يعتبره الناس خيرا و هو الإرادة الخيرة (النية الطيبة ) و هي و حدها خيرا مطلقا و هي لا تقاس بنتائجها و إنما بمبدئها الذاتي و من ثم فالأوامر الأخلاقية نوعان: /الأوامر الشرطية:/و نعني بها القيام بالفعل لخير مطلوب (غاية ) /الأوامر القطعية:/ القيام بالفعل لغاية ذاتية (الحق من أحل الحق) و هو وحده فعل الأخلاقي مثل: التاجر الذي يستقيم مع زبائنه يفعل ذلك طبقا للواجب و لكنه بدافع المنفعة لا الواجب و الإرادة الخيرة تعمل بدافع الواجب و لا طبقا للواجب ولهذا سميت أخلاق كانط بأخلاق الواجب
مناقشة: يعاب على أخلاق كانط أنها نظرية و صورية و لا تهتم إلا بالأخلاق التى تتطابق مع أوامر العقل و تهمل الأخلاق النابعة عن الشعور بينما يتصرف الناس حسب شعورهم أكثر مما يتصرفون حسب عقولهم
ليس العقل الأساس الوحيد للأخلاق:
لقد وجدت الكثير من الأسس الأخلاقية قبل كانط منها مبدأ اللذة الذي كان يعتبر في نظر أرستيب القورينائي هو الخير المطلق حيث قال اللذة هي الخير الأعظم و هي مقياس القيم جميعا...ثم عمل أبيقور على تطوير مذهب اللذة الى منفعة حيث كان يرى أنه هناك لذة أفضل من لذة أخرى فللذة العقلية أفضل من اللذة الحسية... ثم عمل بنتام على تطوير مذهب المنفعة حيث وضع لها مقاييس كما وجد فلاسفة الإسلام في الدين المبدأ الملائم لإقامة الأخلاق لان العقل وحده قاصر و لا يملك القدرة على التمييز بين الخير و الشر دائما كما أن الواجبات الدينية كلها سمعية " افعل ما تأمر " آية ودليلهم على ذلك اختلاف القيم باختلاف الديانات و إرادة الله مطلقة لا اختيار لإرادة الإنسان فيها و يمكن إقامة الاختلاف على أسس أخرى كما فعل بعض الفلاسفة الآخرون كأصحاب النزعة الاجتماعية " المجتمع "
مناقشة:لا يمكن بناء الأخلاق على اللذة وحدها أو المنفعة و حدها لأن المنافع متعارضة "مصائب قوم عند قوم فوائد " كما أن الدين لم يوجد عند جميع الشعوب
أساس القيمة الأخلاقية ليس واحدا:
لا يمكن أن نبني الأخلاق على مبدأ واحد حتى لو كان العقل أو الدين نظرا الى أن القيم الأخلاقية نسبية متغيرة عبر الزمان و المكان و هي تابعة لشروط مختلقة تتحكم فيها فالمجتمع الإسلامي يتمسك بالدين أولا و بالعقل ثانيا كمبدأين أساسيين في إقامة الأخلاق دون إهمال باقي المبادئ الأخرى
الخاتمة: معيار الفعل الأخلاقي ليس واحدا فقد تعددت مبادئ القيمة الأخلاقية بتعدد المذاهب الأخلاقية لكن الأخلاق الإسلامية تركيبة شاملة لما تحتويه المذاهب الأخرى.