لق الله الإنسان مفطوراً على قوة التفكير، بما منحه من قوّة عاقلة مفكرة، لا كباقي الكائنات، فلا فرق بين إنسان و إنسان آخر سواء اختلفوا بالزمان أو المكان أو العِرق أو اللغة، و من هنا اهتمّ (علم المنطق) منذ القدم بدراسة القواعد العامة التي يعمل طبقاً لها العقل البشري عند قيامه بعمليّة التفكير.
إنّ (علم المنطق) هو العلم الذي يدرس القواعد العامة للتفكير الصحيح من جهة، ومن جهة أخرى هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ، و التي ترشده إلى تصحيح أفكاره، فكما أنّ النحو و الصرف لا يُعلّمان الإنسان النطق وإنّما يعلّمانه تصحيح النُطق، فكذلك عِلم المنطق لا يُعلّم الإنسان التفكير بل يرشده إلى تصحيح التفكير.
لقد وضعت القواعد الأولى لعلم المنطق في قبل 3000 سنة تقريباً، من قبل أرسطو، والجدير بالذكر أنّ القواعد التي ضمّنها أرسطو حين صنّف أوّل مُصنّف في علم المنطق، ما زالت هي القواعدالأساسيّة لهذا العلم و لم تفقد قيمتها أو تُبطل، مع أنها تعود إلى أكثر من 3000 عام كما ستتعرف على ذلك في المراحل التاريخية لعلم المنطق.
علم المنطق في ظل الإسلام
اختلفت آراء علماء الإسلام وموقفهم من المنطق. والسبب في ذلك أن علم المنطق عبر التاريخ نحى منحى متشككا في الدين في الجملة، وبدلا من تركيز علم المنطق على تعليم الناس كيف يفكرون بطريقة صحيحة، في أمور حياتهم اليومية ونقاشاتهم العلمية، تحول علم المنطق إلى أداة بيد البعض للتشكيك في الأديان وصحتها، وحقيقة الله ووجوده. (انظر كتاب نقد المنطق)
يعتبر علم المنطق في طليعة العلوم العقلية التي أفرزتها الحضارة الإغريقية، وفي طليعة العلوم التي انتشرت انتشاراً واسعاً لدى الحضارات الأخرى، وخصوصاً الحضارة الإسلاميّة لكونها تؤمن بالأهميّة البالغة للعقل، حيث حثّ القرآن كثيراً على العقل و التعقل و التفكير و التأمل، كما في الآيات:
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }[1]
و كذلك: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَأوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [2]
وكذلك :{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [3]
وغيرها من الآيات الكثيرة التي تتحدث في هذا المجال.
ومع أنّ هذا العلم علم عريق و قديم إلاّ أننا نرى أنه لا يزال في طليعة العلوم التي ما فتأت تنال حظاً وافراً في عالم التعليم و البحث، لاسيّما عند الدارسين للعلوم الدينية لمختلف الأديان السماوية بشكل عام و عند الحوزات العلمية الشيعية بشكل خاص، و كذلك عند الباحثين في الرياضيات، و عند الفلاسفة. ويرجع هذا لما له من أهمية علمية تتمثل في افتقار العلوم كافة إليه باعتباره علماً آلياً لها.
الغاية من علم المنطق
1. من الواضح أنّ جميع العلوم هي نتاج التفكير الإنساني، ومن الواضح أيضاً أنّ الإنسان حينما يفكّر قد يهتدي إلى نتائج صحيحة و مقبولة وقد ينتهي إلى نتائج خاطئة وغير مقبولة. فالتفكير الإنساني -إذن- معرّض بطبيعته للخطأ و الصواب، ولأجل أن يكون التفكير سليماً و تكون نتائجه صحيحة، أصبح الإنسان بحاجة إلى قواعد عامة تهيء له مجال التفكير الصحيح متى سار على ضوئها.
2. أنّنا بتعلّمنا قواعد المنطق نستطيع أن ننقد الأفكار و النظريّات العلميّة فنتبيّن أنواع الخطأ الواقع فيها و نتعرّف على أسبابها.
3. أنّنا نستطيع أن نميّز المناهج العلميّة السليمة التي تؤدي إلى نتائج صحيحة من المناهج العلميّة غير السليمة التي تؤدي إلى نتائج غير صحيحة.
4. أنّنا نستطيع أن نفرّق بين قوانين العلوم المختلفة و أن نقارن بينها ببيان مواطن الإلتقاء و الشبه و مواطن الإختلاف و الإفتراق.
تاريخ علم المنطق
إنّ أهم المراحل التاريخية التي مرّ بها هذا العلم فهي:
1. أرسطو طاليس (384- 322 ق.م) : لقد كان أرسطو الفيلسوف الإغريقي أول من هذّبَ علم المنطق و رتب مسائله و فصوله، وأول من ألف فيه وتعرف مجموعة ملفاته بـ (الأورغان Organon)، وهي تضم الكتب التالية
كتاب المقولات - كتاب العبارة - كتاب التحليلات الأولى - كتاب التحليلات الثانية - كتاب الجدل - كتاب السفسطة )، ويضاف إليها: ( كتاب الخطابة - كتاب الشعر ). لقب أرسطو بـ (المعلم الأول)، وذلك بسبب اهتماماته في خدمة هذا العلم. ولقد ترجمت كتب أرسطو في المنطق إلى العربية في القرن الثاني الهجري، وقيل في القرن الأول، من قبل النقلة السريان و أشهرهم إسحاق بن حنين (ت 950 م)وهو الذي ترجم كتاب المقولات.
2. فرفوريوس من أهالي مدينة صور الساحلية الواقعة في جنوب لبنان (233- 304 ق.م) : ألف فرفوريوس كتابه الموسوم بـ (إيساغوجي Isagoge) وهي كلمة يونانية تعني (المدخل) وهو الاسم الثاني لهذا الكتاب، لأنه يبحث في الكليّات الخمسة، ونقله إلى العربية أبو عثمان الدمشيقي في القرن التاسع الميلادي، واختصره أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري (ت 663 هـ.ق = 1264).
3. لقي علم المنطق العناية الفائقة في العالم الإسلامي، وأشهر من أولى المنطق تلك العناية من فلاسفة العرب وأعلامهم أبو نصر الفارابي (950م). ولُقِّب لذلك بـ(المعلم الثاني).
4. ينسب إلى جالينوس (ت سنة 160 م)أنه أضاف الشكل الرابع إلى الأشكال الثلاثة.
5. تبع الفارابي في اهتمامه بالمنطق الشيخ الرئيس ابن سينا (980-1037 م).
6. قام أبو حامد الغزالي (ت سنة 505هـ - 1111 م) بمزج علم المنطق بعلوم المسلمين، حتى صار من مقدّمات الاجتهاد عند الكثير منهم.
أهم الكتب العربية المؤلّفة في علم المنطق
- الشفاء، لابن سينا، وهو باللغة العربية، ويتعبر الجزء المتعلّق بالبرهان أهم ما في هذا الكتاب حيث لازال يدرّس للمتخصصين في المنطق حتى الآن.
2- الإشارات و التنبيهات، لابن سينا، وهو باللغة العربية، وقد شرحه العالم الشيعي الكبير الخواجة نصير الدين الطوسي، و علّق على هذا الشرح قطب الدين الرازي.
== كتب المنطق التي ألفها الشيعة: ==
3- أساس الاقتباس، للخواجة نصير الدين الطوسي، وهو باللغة الفارسية، ويعتبر من أهم ما ألّف في المنطق، إلا أن كونه باللغة الفارسية منع من انتشاره الواسع بين المنطقيين، وقد ترجمه إلى العربيّة العالم التركي منلا خسرو.
4- الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، صاحب متن منطق التجريد هو الخواجة نصير الدين الطوسي، أما الشارح فهو العلامة الحلي (قدس سره) وهو جمال الدين حسن بن يوسف (ت 648-726 هـ.ق)، و كل من المتن و الشرح باللغة العربية.
5- الرسالة الشمسية وشروحها، وهي باللغة العربيّة أيضاً، وقد لقيت هذه الرسالة الكثير من العناية حيث قام بشرحها أعلام العلماء، أمثال قطب الدين الرازي، و السيد الشريف الجرجاني، و العلامة الحلي و غيرهم، من الأعلام.
6- المنطق، للعلامة المجدد آية الله الشيخ محمد رضا المظفر، و قد وضعه المؤلف قدس سره كمتن درسي خلافاً للمؤلفات السابقة التي أُلفت في العلم كنتائج وصل إليها أصحابها، أمّا هذا المؤلف فهو متن درسي بامتياز حيث قسم إلى فصول أبواب متساوية نوعاً ما، و متضمنة لكل المقدّمات المطلوبة، وفي نهاية كل موضوع أسئلة على ذلك الموضوع، كما ويتضمن مجموعة من الرسوم الشجريّة التوضيحية، والكتاب باللغة العربية، لا شك أنّ هذا الكتاب قد لقي العناية الفائقة من طلاب المنطق في العصر الحديث (لما بيناه من مميزات)، ولذلك طبع مراراً وتكراراً ففاقت طبعاته العشرين طبعة من عدة دور مختلفة، وقد اعتمد كمتن درسي في الحوزات العلمية الشيعية قاطبة.
- مذكرة المنطق، للعلامة الدكتور عبد الهادي الفضلي، وهو تلميذ الشيخ المظفر، وقد وضعه للمتبدئين على نسق المنطق للمظفر، ولكنه أكثر اختصاراً، وهو بالطبع باللغة العربية.
8- نقد الآراء المنطقيّة وحل مشكلاتها، للشيخ علي كاشف الغطاء، وهو باللغة العربية، ويعرض فيه المؤلف ما أُشكل على علم المنطق في كل موضوع من المواضيع، ويقوم بالرد عليه بشكل مميّز، والرسالة بالعربيّة.
9- رسالة في التصوّر و التصديق، للفيلسوف العظيم الملا صدر المتألهين الشيرازي (قدس سره) (979-1050هـ.ق،1572-1640م) ، وهي رسالة قيّمة جداً يبحث فيها حول معنى العلم التصوّري و العلم التصديقي و حقيقة كل واحدة منهما[4].
10-شرح الرسالة المعمولة في التصور و التصديق، لمحمد زاهد بن محمد أسلم الحسيني السهروي، (توفي سنة 1101هـ.ق)، وهي بالعربية.
11- رسالة (البرهان في المنطق)، تأليف الفقيه و المفسّر و الفيلسوف و المتأله العظيم العلامة السيّد محمد حسين الطباطبائي (قدس سره)، ولا شك بأن العلامة يعتبر من فطاحل من عمل في الحقل الفلسفي و المنطقي، و في العلوم العقليّة فضلاً عن باقي العلوم، وهذا ما يكسب مؤلفه هذا تلك الأهميّة البالغة لدى المحققين، و الرسالة بالعربية.
تعريف علم المنطق
عرّف القدماء علم المنطق بأنّه: آلة قانونيّة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ [5].
وأرادوا بقولهم آلة أن علم المنطق هو من العلوم الآليّة، وبقولهم قانونية أنّ علم المنطق مكوّن من قوانين و قواعد عامة.ولكن كما هو واضح فإنّ هذا التعريف في الكثير من الضغط خاصة على غير المتخصصين في هذا العلم، مع كونه تعريفاً دقيقاً.
- وقد عُرّف علم المنطق كذلك بأنه:علم متعلّق بالمعقولات الثانية، و إن لم يكن علماً بالمعقولات الأولى [6] . ولكن يبدو أنّ هذا التعريف معقّد هو الآخر، مع أنّه بالغ في الدقّة أيضاً. ونحن إنما نطرح هذين التعريفين لكي يستفيد منهما المتخصصون و الباحثون في هذا العلم الهام.
- ولكن يمكننا أن نعرّف علم المنطق بشكل أسهل بحيث يستطيع الإنسان المثقف أن يفهم المراد من هذا العلم بدون أي تعقيد، ولا احتياج إلى الدراسة المعمّقة في هذا العلم فنقول:
علم المنطق: هو العلم الذي يدرس القواعد و القوانين العامة للتفكير الإنساني الصحيح
منتقول