في زخم التحضيرات الجارية لاستقبال واحدة من أهم المباريات التي يشهدها هذا العام، ووسط التصريحات المتناثرة هنا وهناك بين لاعبي المنتخبين المصري والجزائري، والأخبار المتواصلة عن الإصابات في الطرفين، وخطط اللعب المتوقعة والتشكيلة المنتظرة للطرفين، تجنبت الجماهير التفكير في اليوم التالي لمعركة استاد القاهرة، وبالتحديد يوم 15 نوفمبر، حينما تكون حدة المعارك قد سكنت وعرف كل طرف موقفه، وبدأ يتعامل مع أحزانه في حال خسر أو فرحته الغامرة إذا فاز.
وعلى الرغم من خوف الجماهير في البلدين من التفكير في هذا اليوم، إلا أن نجم التليفزيون الجزائري ومعلق قناة الجزيرة الرياضية حفيظ دراجي، تطرق بكل جرأة لما يمكن أن يقع صبيحة الأحد 15 نوفمبر، وأوجز نجم الإعلام الجزائري فأصاب عندما صور ببراعة فرحة الجزائريين "المنتظرة" في هذا اليوم على إعتبار أن السيناريو الأقرب للحدوث هو تأهل الجزائر وتحقيقها للظهور الثالث في الحدث العالمي الكبير، فتحدث عن استقبال أسطوري لـ "الخضر" في مطار هواري بومدين، وتطرق لحصول المواطنين في الجزائر على عطلة "مدفوعة الأجر" لمواصلة إحتفالاتهم بإنجاز لاعبيهم الكبير، غير إن دراجي كان مبهراً في إتزانه وعقلاني لأبعد الحدود عندما أكد إن شعب بلاده سيقوم بتهنئة المصريين بصمودهم وأدائهم الرجولي حتى النهاية قبل أن يمنح القدر الإنتصار لمنافسيهم.
ولم يهتم نجم الإعلام الجزائري سوى برسم صورة مبتكرة ورائعة للفرحة الجزائرية المنتظرة، وذلك إستناداً إلى موقف فريقه الأكثر من إيجابي في المجموعة وذهابه للقاهرة بثلاثة فرص هي الفوز أو التعادل وحتى الهزيمة بهدف، فيما لم يتطرق لأي سيناريو آخر محتمل، كخسارة فريقه لبطاقة التأهل أو حتى خوض لقاء فاصل بعد السقوط بفارق هدفين، ومن هنا كان لزاماً علينا أن لا نتركه وحيداً في جرأته وأن نشاركه تصرفه الشجاع في التطرق إلى صبيحة يوم 15 نوفمبر، ولكن هذه المرة بعيون مصرية تدرك جيداً أن أبناء هذا الشعب تعودوا على المعجزات، وتأقلموا على الصعوبات، وباتوا من هواة تخطي العقبات والتغلب على الإحباطات.
ففي الساعات الأولى من صباح يوم 15 نوفمبر، سأنظر من نافذة منزلي فوجدت شباب وبنات بلادي في حالة احتفال هستيرية بالفوز ووجدت لافتات وألوان العلم المصري تغطي كل مكان، وها هي سيدة عجوز تقتحم حلقة للتشجيع لتشارك الشباب فرحة التأهل، وها هو طفل يرسم بالأبيض والأسود والأحمر على وجهه تمهيداً لقضاء سهرة لم يعرفها في سنوات حياته القليلة الماضية.
وفي الساعات الأولى لصباح 15 نوفمبر، قرر جزء كبير من المصريين أن يحتفلوا في منازلهم أمام شاشات التليفزيون، فها هو مدحت شلبي يرقص على أهازيج تشجيعنا الشهيرة كما وعد، وها هو خالد الغندور وقد طالعنا بعباراته الشهيرة قائلاً "يا جماعة مصر كسبت" .. وها هو أحمد شوبير وقد رفض أن يتخلى عن ثوب الإعلامي الهاديء والمتزن الذي اختاره لنفسه طيلة فترة التصفيات، مؤكداً أن بلادي استحقت أن تفرح بالإنجاز وأن الجزائر حظيت بكل الإحترام، ومحققاً السبق كعادته بعمل حلقة مطولة مع الكابتن حسن شحاتة ولاعبي مصر وعلى رأسهم القائد أحد حسن وأمير القلوب محمد أبو تريكة.
أما صبيحة يوم 15 نوفمبر فلم يُمنح المصريين إجازة مدفوعة الأجر أو غيره، لكنهم ذهبوا إلى أعمالهم كالمعتاد، وذلك ليس لأننا أفضل من الجزائريين، بل لأننا لم نتعود على مثل هذه الإمتيازات في بلادنا .. وفي الطريق إلى العمل لم تكف الآذان عن سماع همسات افراد الشعب المصري البسيط وهم يتحدثون عن المباراة، فهذا رجل يبيع الفول والطعمية يتحدث مع زبائنه عن هدف أحد فتحي الذي لا يصد ولا يرد، وذلك صاحب مقهى مازال يروي شعوره بعد سكون تسديدة عمرو زكي شباك لوناس قاواوي حارس الجزائر، والتي أشعلت الفرحة في أرجاء استاد القاهرة، وها هما اثنان لا يعرفان بعضهما البعض داخل إحدى وسائل النقل وقد جمعهما حديث مشترك عن هدف أبو تريكة العالمي، والذي سجل في اللحظات القاتلة.
في صبيحة 15 نوفمبر ساتابع ما قالته الصحف العالمية عن بلادي، ووصفها لإنجاز منتخب مصر ولاعبيه، وحديثها عن رجولة أحمد فتحي ومجهود أحمد حسن وروعة أداء أبو تريكة، وبراعة عملاقنا الحضري، واتزان نجم دفاعنا هاني سعيد، كما سأتابع إشادتها بجماهير وطني التي كانت عاملاً أساسياً في تحقيق الإنجاز وأرهبت المنافس بزئيرها وصبرت وتحملت ولم تضعف أو تيأس عندما تأخر الفوز والتسجيل.
في صبيحة 15 نوفمبر، سيبث برنامج صباح الرياضة في قناة النيل لقطات حية من مطار القاهرة، فشاهدت بعثة المنتخب الجزائري وهي تودع بلادنا وتصعد على سلم الطائرة المتوجهة لمطار الزعيم الجزائري الراحل هوار بومدين وسط تصفيق عاصف من عدد ليس بالقليل ذهب إلى المطار ليعلن إحترامه الشديد لفريق بدأ التصفيات متشككاً حتى في تأهله لكأس الأمم الإفريقية فوصل إلى ما هو أبعد بكثير، وكان على بعد دقائق من تحقيق حلم الملايين.
وفي صبيحة 15 نوفمبر ستكون أنت يا دراجي أول من يقدم التهنئة لأبناء وطني وستكون أول من يكتب مقالة أخرى رائعة تصور فيها فرحة المصريين بانجازهم الكبير، أما إذا فازت الجزائر فسنقوم جميعاً لتحية 35 مليون مواطن عاشوا طيلة فترة التصفيات أحاسيس متقلبة ما بين الفرح والحزن والتوتر والقلق وفقدوا أرواحاً منها من ذهب لفرحة شديدة ومنها من ذهب لحزن كبير، فاستحقوا ان يكونوا ابطالاً كلاعبي فريقهم تماماً.
وانتوما قلولي تاني رايكوم راني نستنا_____