مقدمة إلى العروض ونشأته
لا يكاد يخفى على عين بشر أصالة اللغة العربية ومكانتها بين لغات العالم ، واللغة العربية كأي لغة آخرى لها أصولها وقواعدها التي تضبط الكلام وتخرجه على صورته المثلى من حيث الشكل والمضمون . ولتحقيق ذلك تم وضع علم العروض الذي يضع الأسس والقواعد التي يسير عليها الشاعر للوصول إلى القصيدة تامة التكوين.
فعلم العروض من العلوم الأكثر أهمية في اللغة العربية والتي ابتكرها وأخرجها للوجود الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري الأردي المكنى بأبي عبد الرحمن . والفراهيدي نسبة إلى فراهيد بطن من الأزد . ويقال بأن أباه هو أول من سمي بأحمد بعد الرسول- صلى الله عليه وسلم- . وقد ولد بمدينة البصرة سنة 100 للهجره ، وتوفي سنة 174 للهجره ، في أوائل خلافة الرشيد.
ويعتبر الفراهيدي أحد أئمة اللغة والأدب في القرن الثاني الهجري . وأكبر دليل على ذلك ما قاله ابن خلكان عن الفراهيدي ، حيث يقول : " إن الخليل كان إماما في النحو ، وانه هو الذي استنبط علم العروض وأخرجه إلى الوجود ". وقد حصر الخليل بن احمد أقسام علم العروض قي خمس دوائر ، واستخرج منها خمسة عشر بحرا ، ثم زاد تلميذه الأخفش وتدارك عليه بحرا واحد سمي بالبحر المتدارك ، وبالتالي فقد أصبحت ستة عشر بحرا .
ومن ذلك يرى أن الخليل هو أول من ابتكر علم العروض وحصر كل أشعار العرب في بحوره . ولم تقف عقليته المبتكرة عند هذا الحد ، وإنما تجاوزته إلى ابتكار علوم أخرى ، فهو أول مبتكر لفكرة المعاجم العربية بوضعه معجم العين ، وهو الذي وضع أساس علم النحو باستخراج مسائله وتعليله ، وإمداده سيبويه من علم النحو بما صنف منه كتابه الذي هو زينة لدولة الإسلام كما يذكر القفطي ، ثم أنه هو الذي اخترع علم الموسيقى العربية وجمع فيه أصناف النغم . كما يذكر أن الخليل بن احمد الفراهيدي كان له معرفة بالإيقاع والنغم .(علم العروض والقافية ص
ولكن لا ينبغي أن نفهم من وضع الفراهيدي ( أول من وضع علم العروض ) أن العرب من قبله لم تعرف أوزان الشعر. فالواقع يقول بان العرب كانوا قبل وضع علم العروض يعلمون بأوزان الشعر العربي وبحوره ، وان لم يكونوا قد عرفوها بالأسماء التي سماها بها الخليل بن احمد والتي ما زالت متداولة حتى وقتنا الحالي ، فقد كانوا بذوقهم وسليقتهم يدركون ما يدور للأوزان المختلفة من زحافات وعلل وإن لم يعطوها أسماء ومصطلحات خاصة كما فعل العروضيون . وإن كان الفراهيدي غير مسبوق في وضع علم العروض ، فان أبا عمرو بن العلاء قد سبقه بالكلام عن القوافي وقواعدها ، ووضع لها أسماء ومصطلحات خاصة.
وللرواة أقوال مختلفة حول الباعث الذي دفع الخليل بن احمد إلى التفكير في علم العروض ووضع قواعده . فمنهم من قال بأنه دعا بمكة أثناء قيامه بالحج بان يرزقه الله علما لم يسبقه إليه أحد ولا يؤخذ إلا عنه ، فعندما عاد من الحج فتح الله عليه بعلم العروض ، وبالتالي فقد تحقق ما تمناه . ومن الرواة أيضا من قال حول هذا الموضوع بان الدافع الذي دفعة لابتكار قواعد هذا العلم هو إشفاقه على بعض شعراء عصره الذين اتجهوا إلى نظم الشعر على أوزان لم يعرفها العرب ، ولم يسمعوا بها من قبل . ومنهم من قال بأنه قد وجد نفسه وهو بمكة يعيش في بيئة يشيع فيها الغناء ، ولهذا راح الخليل بن احمد الفراهيدي يقضي الساعات والأيام يوقع بأصابعه ويحركها حتى استطاع حصر أوزان الشعر العربي ، وضبط أحوال قوافيه.
كما اختلفت الآراء أيضا حول سبب تسميه هذا العلم بالعروض ، فمنهم من قال بأن من معاني العروض مكة وذلك لموقعها الذي يتوسط بلاد الجزيرة العربية ، حيث أن معنى العروض في اللغة هو الناحية ، ومن ثم أطلق الخليل على علم ميزان الشعر الذي اخترعه اسم المكان الذي ألهم فيه قواعده وأصوله . ومن الرواة من رأى بأن سبب تسمية الخليل بن احمد علم العروض بهذا الاسم هو مدينة عمان التي كان يقيم فيها الفراهيدي . ويذكر صاحب لسان العرب بان هذا العلم قد سمي عروضا ، لأن الشعر يـُعرض عليه ، أي يوزن بواسطته . وهناك الكثير من الآراء التي تحاول تفسير السبب الذي أدى بالفراهيدي لابتكار هذا العلم وتسميته باسمه الحالي .
عـــــــــلم العَـــروض
علم العروض من علوم الشعر العربي التي يستطيع الشاعر من خلالها أن يخلق قصيدة متكاملة من حيث شكلها وجوهرها . فعلم العروض يعرف بأنه علم بأصول يعرف بها صحيح أوزان الشعر وفاسدها ، وهو علم استحدث بعد وجود الشعر ، ووضع لضبطه . (كتاب البيان ص85)
فعلم العروض هو علم ميزان الشعر أو موسيقى الشعر ، وهو علم له قواعده وأصوله ونظرياته التي تحصل وتكتسب بالتعليم . وإذا كان الشعر من الناحية العلمية هو الجانب التطبيقي لقواعد العروض وأصوله ونظرياته ، فانه قبل ذلك فن كسائر الفنون مصدره الموهبة والاستعداد . وقد يستطيع الشاعر الموهوب بما لديه من أذن موسيقية ، وحس وذوق مرهفين ، أن يقول الشعر دون علم بالعروض ، ودون حاجة إلى قوانينه . ولكنه مع ذلك يظل بحاجة إلى دراسة علم العروض والإلمام بأصوله وقواعده .
وجهل الشاعر الموهوب بأوزان الشعر وبحوره المختلفة من تامة ومجزوءة ومشطورة ومنهوكة قد يحصر شعره في بعض الأوزان الخاصة ، وبذلك يحرم نفسه من العزف على أوتار شتى ، تجعل شعره منوع الأنغام والأركان . ومن ذلك تتجلى أهمية دراسة الشاعر للعروض والإلمام بقوانينه ؛ فهو اشد لزوما لطلاب اللغة والمتخصصين فيها ؛ لأنه يعينهم على فهم الشعر العربي ، وهو كذلك أشد لزوما للدارسين والمتخصصين في فروع الثقافة العربية من تاريخ واجتماع وأدب وبلاغة ومذاهب دينية أو عقلية .
العــــــ بين علم العروض والموسيقى ــــــــلاقة
هناك علاقة قوية بين علم العروض والموسيقى ؛ فعلم العروض هو علم موسيقى الشعر ، وعلى ذلك يكون هناك صلة تجمع بينه وبين الموسيقى بصفة عامة ، وهذه الصلة تتمثل في الجانب الصوتي ؛ فالموسيقى تقوم على تقسيم الجمل إلى مقاطع صوتية تختلف طولا وقصرا ، أو إلى وحدات صوتية معينه على نسق معين ، بغض النظر عن بداية الكلمة ونهايتها ، فقد ينتهي المقطع الصوتي أو ما يسمى بالتفعيلة في آخر كلمة ، وقد ينتهي في وسطها . وقد يبدأ من نهاية كلمة وينتهي ببداية الكلمة التي تليها .
إذاً فهناك صلة وثيقة بين العروض والموسيقى ، وهي صلة الفرع المتولد من الأصل ، فالعروض في حقيقة أمره ليس إلا ضربا من الموسيقى اختص بالشعر على انه مقوم من مقوماته وإذا كان للموسيقى عند كتابتها رموز خاصة تدل على الأنغام المختلفة ، فللعروض كذلك رموز خاصة به في الكتابة تخالف الكتابة الإملائية التي تكون على حسب قواعد الإملاء المتعارف عليها . وهذه الرموز يدل بها على التفاعيل التي هي بمثابة أنغام الموسيقى المختلفة . وقد وضعت البحور الستة عشر تبعا لهذه التفاعيل الناتجة عن تقسيم البيت إلى مقاطع موسيقية ، وبالتالي فان أصل وجود بحور الشعر هو الموسيقى التي يتضمنها البيت الشعري.
البيت الشـــعري وأجزاؤه
البيت الشعري المصاغ على نظام القصيدة العربية يتكون من أجزاء محددة وينتهي بالقافية . وللبيت الشعري قسمان يسميان بالشطرين أو المصراعين . وأول هاذين الشطرين يدعى بالصدر ، والشطر الآخر يدعى بالعجُز . وآخر جزء من الصدر يدعى عَروضا ، وآخر جزء من العجز يدعى ضربا . وما تبقى من الأجزاء يدعى حشوا. (بيان العرب الجديد ص211)
أجزاء البيت
حشو عروض حشو ضرب
ألعينيك تأنى وخطر يفرش الضوء على التل القمر
الصدر العجز
البيت يكون تاما وافيا إذا استوفى كل أجزائه مثل البيت التالي:
أمن العدالة وردة فتانة تذوي على خد الصباح وتذبل؟
ويكون البيت مجزوءا إذا حذف جزء من صدره وجزء من عجزه ، كما في المثال التالي:
أمن العدالة وردة تذوي على خد الصباح؟
ويكون البيت مشطورا إذا حذف منه شطر بكامله ، كما في المثال التالي:
أمن العدالة وردة فتانة
ويكون البيت منهوكا إذا حذفت منه ثلثا شطريه ، كما في المثال التالي:
أمن العدالة وردة