الغريب

موضوع: الغريب 2009-12-18, 08:41

الغريب
في قرية نائمة على حدود المدينة الأم . حيث تتوزع مباني الفلاحين منتشرة أمام الغابات وأمام الطرق الريفية. هناك يسكن الكثير من الذين يمارسون مهنة الفلاحة. الزمن عندهم متشابه لا يعيرونه اهتماما ما عدا الجمعة .لرباطهم بصلاة الجماعة في مسجد المدينة. هناك رجل من عامة الناس كان
غريب الأطوار نحيف الجسم , رقيق العود, صغير الوجه , دقيق الأنف , تحته شارب تتوزعه بعض الشعيرات , غير منتظمة , رغم حلقه لها عدة مرات لغرض التكاثر , لكن لم ينفع معها الشفرات التي استهلكها , ولا الطرق التي استعملها .له شفتان مثلهما مثل بقية ملامحه, طوله لا يتعدى المتر والخمسين , يكسو كل ذلك لباس بسيط أسود اللون خيطت بعض ثقوبه كما خيطت بذلة جان فال جن عند فيكتور هيغو, ذات الجيوب المتعددة ..عاش فقيرا , متقلب المزاج لا يثبت على رأي .ولا يُفهم ما يقول .إذا كان يحكي عن السياسة فهو مولع بها .يحكي عن الروس والأمريكان حكايات غريبة لا ندري من أين يأتي بها .وإن تسأله عن مصدرها يقول سمعتها في نشرة الأخبار ,كل الناس سمعت نشرة الأخبار لكنها لم تسمع ما يحكي عنه . هو لا يكذب لكنه لا يميز .وصفه أحد الشيوخ ب –بو عقلين –يعني يحدثك عن شيء الآن ثم يعارضه بعد حين..كان الشيء الذي لا يجاريه فيه أحد هو معرفة بساتين النخيل بأصحابها وحدودها بالمئات وعلى طول عشرة كيلومتر .لأن الفلاحين ينادونه أيام تأ بير النخيل أو في موسم جني التمور فكان لا يعجزه تسلق النخيل مهما كان طولها ..حينما تدقق فيه النظر تجده صغير العينين .له حاسة الشم قوية جدا , بحيث إذا عبر الشارع يستطيع أن يعين لك أنواع الأطعمة التي تطبخ في البيوت .هنا الكسكسي و هنا المحجوبة ,وهنا الحريرة وهنا قهوة بالبن المحمص وهنا رائحة الشواء .و.و.و.
حتى حاسة السمع قد ورثها عن أمه رحمها الله , فهي تسمع الحديث العادي على بعد أربعمائة متر وتعين لك صوت من الذي يتحدث ..
كم يتمنى زوال النعمة عن الكثير تلفظا فقط .وكم يرغب في اقتراح العقوبة ضد المجرمين. وخاصة اللصوص منهم يتمنى أن تجعله الدولة مسؤولا .فيسأله جلساؤه ماذا تفعل إذا عينت مسؤولا .؟, يقول :
أطالب المجرم أن ينزع ثيابه شتاء حينما يكون البرد قارصا .وأطالبه بأن يستحم بالماء البارد , وأن يحك جلده بجلد قنفذ .فيضحك الأولاد فيزمجر في وجوهم فيحجم عن الكلام ..
تراه يجلس مساء بجانب بيته باسطا قطعة حصير .ويدير مذياعه
القديم. على الموجه المحلية الآف آم .ويتسمع الأغاني الصحراوية والشاوية لأنه مولع بها .فكثيرا ما كان يتوقف عنده المار على الطريق شيخا كان أم شابا .سائلا إياه عن أحوال السياسة .التي لا يتقن فيها نصيبا .فيبدأ في عرض ما قيل وما لم يقال .فينهض المار بدون أن يفهم شيئا وبدون أن يعارضه ....
تآمر ضده الأولاد سائليه ذات يوم بمكر.عمي جلول: عندنا سؤال وأُشكل علينا الحل .
قال بخفته المعهودة : ما هو؟ .ما هو؟
قال الأولاد:هل ابنة العاقر تكون عاقرا مثل أمها أم تكون ولودا ؟
أجاب دون أن يتفطن لمكر السؤال قائلا : ستكون ولودا فما دخل أمها ..يضرب الأولاد كفا على كف ويضحكون .ولكنه لم يفهم لماذا الأولاد يضحكون .ثم ينحني أرضا ويأخذ حفنة تراب ويرميهم بها...
هكذا عاش جلول يصنع الفرجة للآخرين أما هو فمسكين عاش على هامش الحياة.لا يفقه فيها شيئا . وكم يسعد إن تحصل على بعض الدنانير .فيشتري بها بطاريات لمذياعه وأنيسه في وحدته
لكن الناس كانوا لا يبخلون عليه بالطعام .وبالدواء إذا أصيب بمرض ..كان لا يعرف الخوف أبدا .لكن حين مرض أخيرا استوحش وطفق يتردد على أخته في المدينة لينام في بيتها وفي الصباح يعود إلى بيته .ويزاول بعض الأنشطة التي لا تسمن و لا تغني من جوع .

كل الود والاحترام

Saliiiiiiiiii7 16

موضوع: رد: الغريب 2009-12-18, 16:34

مشكور على هاته القصة

موضوع: رد: الغريب 2009-12-18, 16:37

شكرا على هذه المساهمة المفيدة .

نتمنى الإستفادة للجميع .

ننتظر منك المواصلة .

وفقك الله .

» قصيدة ليس الغريب
» الزواج الغريب