وقفة للإنطلاق....
كل
منا يتذكر أيام طفولته وكيف كان يتمنى أن يصبح طبيبًا حاذقًا أو مهندسًا
بارعًا أو عالمًا جليلًا؛ وهذه قصة لواحد من أصحاب الأمنيات، فحينما كان
طفلًا صغيرًا كانت تراوده أحلام النجاح، كان يريد أن يصير شخصًا هامًا في
مجتمعه، عاش طفولته كغيره من الأطفال لا همَّ له إلا اللهو واللعب، ومرَّ
بساط الوقت بين يديه حتى صار شابًا، ونجح في مدرسته، وكانت درجاته تؤهله
لدخول كلية الإعلام فدخلها.
وبعد
أن دخل تلك الكلية وقضى فيه عامًا كاملًا شعر بأن تلك الكلية لا يرغب فيها
وأنه لا يحب الدراسة فيها، ومن ثم قرر أن يتركها ليبحث عن غيرها ليشعر
بالسعادة والراحة، ولكن جعلت الأيام تمر وبدأ يشعر مع مرورها باليأس من
حياته، فكلما ارتسم أمامه طريقًا للنجاح ما استطاع أن يسير فيه.
وكالعادة
وجد مجموعة من المحبطين يحاولون أن يقضوا على الأمل الذي تبقى في نفسه،
وبدأت وسوستهم تخترق أذنه، وهنا بدأ يسأل نفسه: ماذا أفعل؟ كيف أغير من
حياتي؟ وحينها أدرك (لكي تنجح في الحياة، وتحقق ما تريد من أهدافك، فعليك
أن تتعلم كيف تدير ذاتك) [إدارة الذات، د.أكرم رضا، ص(16)].
السؤال أولًَا:
بعد
هذه القصة أشعر بأن هناك العديد من الأسئلة التي تفجرت في ذهنك، والتي
تشعر بحاجتك إلى إجابات وافية كافية لها، وهي أسئلة مقتبسة من معاناة
الشباب التي يعيشونها كل يوم، وهذه الأسئلة لا تخرج عن: ما هو هدفي في
الحياة؟ كيف سأخطط لحياتي من أجل أن أصل إلى هذا الهدف؟
هل أستطيع أن أحقق أحلامي؟ هل أنا واثق في قدراتي؟
إن
الإجابة على تلك الأسئلة ومثيلاتها من شأنها أن تُعينك على أن تتعرف على
ذاتك، ولكن ماذا تعني إدارة الذات؟ إدارة الذات يُعرفها الدكتور أكرم رضا:
(معرفتك لقدراتك، واستخدامك الأمثل لهذه القدرات) [إدارة الذات، د.أكرم رضا، ص(16)].
ولقد
ضرب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أروع الأمثلة في معرفتهم لقدراتهم،
واستخدام تلك القدرات الاستخدام الأمثل، فأثمر ذلك نبوغًا باهرًا في
ميادين شتى، فرأينا أبا بكر وعمر وزراء أكفاء للنبي صلى الله عليه وسلم،
ورأينا خالد بن الوليد قائدًا للجيش، ورأينا معاذ بن جبل عالمًا بل أعلم
الأمة بالحلال والحرام ولم يتجاوز بعد العقد الرابع من عمره.
لاشك
أنه منهج الإسلام الذي رباهم عليه النبي عليه الصلاة والسلام، والذي غرس
فيهم البذل والعمل والعطاء؛ فأخرج كل واحد منهم طاقاته وإمكاناته
المكنونة، ثم أهداها لدين ربه سبحانه وتعالى فأشرقت الدنيا بهم وتشرفوا هم
بإيمانهم وإسلامهم.
فإذا أردت أن تدير ذاتك، وأن تستغل قدراتك؛ فلابد أن تتعلم بعض المهارات، والتي من شأنها أن تعينك في إدارة ذاتك:
أولًا: صناعة الهدف:
وهي
التي ترسم مسار حياة الإنسان، فكل ما يبذله المرء في حياته ليس له أي قيمة
إذا لم يكن قد حقق هدفه، يقول توماس كلير: (بدون هدف ستكون حياتك كقارب
بلا دفة، وستنتهي رحلتك على صخر الحياة أشلاء مبعثرة) [سيطر على حياتك، د.إبراهيم الفقي، (18)].
فإذا
لم تتعلم كيف تجعل لك هدفًا في الحياة، فدع الحياة هي التي تقودك كيفما
شاءت، ولا تلومن إلا نفسك، ولكنك إذا حرصت على أن تتعلم هذه المهارة فسوف
تربح الكثير والكثير بدءًا بأن تمتلك زمام حياتك ـ بإذن الله عوضًا ـ على
أن تترك نفسك في مهب الريح، إلى أن تنال إعجاب الآخرين، وتكون مثالًا
يُحتذى به.
ولذا
يا من تنشد نفسه المعالي ليكن أول سؤال تسأله نفسك: ما هو هدفي في الحياة؟
واعلم أن الإنسان بدون أهداف سيعيش حياته متنقلًا من مشكلة إلى أخرى،
بدلًا من أن يتنقل من فرصة لأخرى.
ولذا
حرص القرآن الكريم على إيضاح قضية الهدف للمسلمين، فقال جل في علاه:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
ثانيًا: أغلى من الذهب:
إن
المهارة الثانية المهمة، هي مهارة إدارة الوقت، يقول الدكتور عوض القرني:
(إن أخطر مشكلة تواجه الأمم والأفراد هي مشكلة ضياع الأوقات، إذ أن ذلك
يعني ضياع الحياة، وكل فائت قد يُستدرك إلا فائت الزمن؛ ولذلك تذكر دائمًا
هذه العبارات واكتبها أمامك بخط عريض:
(الوقت لا يتوالد، لا يتمدد، لا يتوقف، لا يرجع للوراء، بل للأمام دائمًا) [حتى لا تكون كلا، عوض القرني، (45)]،
فهناك حكمة خاطئة انتشرت بين الناس تقول: (الوقت من الذهب)، فالوقت أغلى
بكثير من الذهب، فهو أثمن ما يملكه الإنسان، فإذا استطعت عزيزي القارئ أن
تكتسب هذه المهارة، فستسطيع:
1. أن تنفذ المهام والأعمال الهامة بأقل جهد وأقصر وقت، ثم تتفرغ للتخطيط لمستقبلك، والراحة والاستجمام.
2. أن تستغل أوقاتك التي تضيع هباء منثورًا، في الخروجات والتنزهات وطول المكث على أجهزة الألعاب.
وحين
تستغل وقتك حقًا وتنجز فيه أعمالًا مفيدة وهامة، حينها فقط ستشعر بلذة
غامرة تتخلل كيانك، فعليك أن تجرب ولو يومًا، قم بإعداد ورقة لليوم التالي
وضع فيها أهدافك والأعمال التي تريد إنجازها، وحددها بالساعة أي كل ساعة
سأفعل فيها كذا، واجتهد قدر استطاعتك ألا يثنيك شاغل مهما كان عن تنفيذ
تلك المهام، وحين تحقق أهدافك في ذلك اليوم، انظر لمدى سعادتك وشعورك
بالإنجاز في آخر اليوم؛ فما بالك لو أن حياك كلها كذلك اليوم؟
ثالثًا: الثقة بالنفس:
الناجحون
يثقون في قدراتهم، فهم مهما تعرضوا لتجارب فشل في حياتهم فلا يفقدون الثقة
في أنفسهم، فمن الطبيعي أن يفشل المرء مرات عديدة، ولكن كل ذلك لا يعد
فشلًا، ولكن الفشل الحقيقي هو حينما يشعر الإنسان أن الفشل أفقده الثقة في
نفسه، فيرفع الراية البيضاء.
ولذا
يقرر لنا توماس أديسون قاعدة عظيمة، فيقول: (إنك لن تصل إلى النجاح الذي
تريده إلا بعد أن تكون أخطأت وأخطأت وأخطأت، ولذا لا تخف من الفشل وكرر
المحاولة، فكل خطوة فاشلة هي خطوة للنجاح) [كيف أصبحوا عظماء، د.سعد سعود الكريباني، (115)].
ويقول
الدكتور إبراهيم الفقي: (والواثق من نفسه لا يستطيع مخلوق إيقافه أو
تحويله عن قبلة النجاح الذي ييمم شطرها بوصلة طموحه، إنه قوي في إيقاف من
يحاول هدمه وعرقلة مسيره) [سيطر على حياتك، إبراهيم الفقي، (26)].
رابعًا: التفكير الإبداعي:
يرى
محمد أحمد عبد الجواد أن التفكير الإبداعي أو الابتكاري هو: (العملية التي
ينتج عنها حلول أو أفكار تخرج عن الإطار التقليدي، سواءً بالنسبة لمعلومات
الفرد الذي يفكر، أو للمعلومات السائدة في البيئة بهدف ظهور الجديد من
الأفكار) [كيف تنمي مهارات الابتكار والإبداع الفكري، محمد أحمد عبد الجواد، ص(17)].
وهذه
المهارة تكسبك القدرة على التفكير في الحلول المختلفة لأي مشكلة تواجهها،
فالمشكلة التي نواجهها جميعنا هي (أننا مأسورون دائمًا حول نمط معين في
تفكير متكرر يغلب عليه الإيمان بفكرة واحدة مسيطرة، وطريقة واحدة للحل،
حتى لتكاد العقول تتجمد عند الفكرة الواحدة، فينضب التفكير وتشح الأفكار) [لمحات عامة في التفكير الإبداعي، د.عبد الإله بن إبراهيم الحيزان، ص(9)]، لذا فحينما تكتسب تلك المهارة سيكون عندك القدرة على إيجاد حلول بديلة فتستطيع أن تتخذ القرار الفعال.
خامسًا: الاتصال الفعال:
وهنا
ينبغي أن نعلم أن النجاح الكبير لا تستطيع صنعه وحدك، ومن ثم فأنت في حاجة
إلى الاتصال بالآخرين؛ فما من أحد يستطيع أن يعيش وحده من غير أن يتواصل
مع الآخرين، فهل بإمكانك أن تعيش وحدك دون عائلة، وأصدقاء وزملاء عمل؟ هل
تستطيع أن تخطو خطوة واحدة من غير مساعدة الآخرين؟ بالطبع لا، يقول محمد
أحمد العطار: (فنحن في نحتاج إلى عائلة تربت على أكتافنا، وتواسينا في
أتراحنا وتشاركنا في أفراحنا، كما نحتاج إلى صديق نشكو له الهم، ونطلب منه
المشورة، ونحتاج إلى التواصل مع كل صاحب حرفة أو عمل لقضاء حوائجنا) [سحر الاتصال، محمد أحمد العطار، ص(10)].
بل
إن تلك المهارة هي سر النجاح، فهناك دراسة تؤكد (أن هناك 15% من نجاح
الشخص ترجع إلى معرفته الفنية، بينما 85% الباقية ترجع إلى المهارة في
الهندسة الإنسانية، ترجع إلى الشخصية والقدرة على قيادة الناس).
سادسًا: التطوير المستمر:
هناك
مثلٌ يقول: (تحضيرات اليوم تحدد إنجازات الغد)، فالإنسان إذا قام بوضع
هدفه، وتعرف على الطريق الذي سيوصله إلى هذا الهدف لابد وأن يسأل نفسه:
لكي تصل إلى هذا الهدف، ما القدرات والمهارات التي لابد أن أكتسبها حتى
أحقق تلك الغاية؟ وكيف سأحصل تلك المهارات؟
فما
من سائر في طريق، وقد ضل فيه وأراد أن يعرف وجهته الصحيحة، فلابد وأن يعلم
أولًا أين هو الآن؟ حتى يعلم في أي طريق سيسير، وتلك المهارة ستعينك على
أن تجيب على مثل هذا السؤال.
وبعد الكلام:
تذكر
أنه إذا أردت أن تكون ناجحًا في حياتك، فلابد وأن تتعلم كيف تدير ذاتك،
لابد وأن ترسم من الآن طريقك بأن تحدد هدفك، ثم تتزود بتلك المهارات التي
ستعينك حتى تصل إلى غايتك ومرادك، وذلك بإدراك قيمة الوقت وكيفية
استغلاله، ثم تثق في أنك إذا استعنت بالله جل وعلا سوف تحقق طموحاتك، وهذه
كانت وقفات هامة لتنطلق بقدرات وإمكاناتك نحو النجاح والتأثير في الحياة.
المصادر:
1. صناعة الهدف, هشام مصطفى عبد العزيز وصويان شايع الهاجري وآخرون.
2. صناعة النجاح, د.عبد الله السبيعي.
3. سيطر على حياتك، إبراهيم الفقي.
4. حتى لا تكون كلًّا، د.عوض القرني.
5. إدارة الوقت، طارق سويدان ومحمد أكرم العدلوني.
6. لمحات عامة في التفكير الإبداعي، عبد الإله بن إبراهيم الحيزان.
7. سحر الاتصال، محمد أحمد العطار.
8. كيف أصبحوا عظماء، د.سعد سعود الكريباني.