بسم الله الرحمن الرحيم
لقد فوجئنا نحن العرب بشكل خاص بمصطلحات العولمة والنظام العالمي الجديد في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي على الرغم من ان هذه المصطلحات وغيرها كانت قد بدأت بالشيوع بين النخب الغربيه في نهاية القرن الثامن عشر حيث تحدثت العديد من الكتب والمسرحيات وفيما بعد الافلام عن منافع وحسنات العولمه الاقتصادية والاجتماعيه وما ستجلبه من رفاه عالمي اضافه الى الحديث عن اهمية وجود نظام علمي واحد ينضوي تحته كل البشر واثر ذلك في القضاء على تفرق ةتباعد الشعوب وانهاء الصراعات على اساس التعايش الانساني
الا ان الناظر في فكر العولمة بتمعن يجد صعوبة في امكانية تحقق مبادئها ومقومات قيامها الا في مجتمع طوبائي لا اختلاف فيه فكريا او اجتماعيا او سياسيا او ديني (وهي من العناصر التي تكون الطابع الحضاري لكل مجتمع) فاختلاف الثقافات الفكريه والعادات الاجتماعيه والانظمة السياسيه (الحضاره) يولد بالضروره الاختلاف حول الاسس التي يجب ان يقوم عليها المجتمع العالمي الجديد (الحضارة العالمية الجديدة) والمعروفه بالعولمه ومن ثم نشوء انواع مختلفه للصراع بين اصحاب تلك الاختلافات فاذا ما اضفنا الدين الى تلك المعادله نرى ان الامور تصبح اكثر صعوبه حيث تزداد الفجوه بين المجتمعات المختلفة حضاريا ومن هنا ظهرت مصطلحات جديدة ترافقت مع العولمه كالمد والتراجع الثقافي والتطرف والعنصريه وصراع الحضارات
وهنا دعونا نطرح سؤالا مهما لماذا يظهر هذا الصراع في وقتنا الحالي على الرغم من عدم وجود انظمتا اممية كالتي ظهرت منذ الاف ومئات السنين كالأمبراطورية الرومانيه او امبراطورية المايا او الدولة الاسلاميه او حتى الامبراطورية البريطانيه؟؟ والجواب هنا يكمن في ان هذه الامبراطوريات (الحضارات) بشكل عام لم تكن تهتم بالديانة التي يعتنقها الفرد او حتى بالاختلاف الفكري للافراد بقدر اهتمامها بما يدفعه الفرد من ضرائب اضافه الى التزامه بالاعتراف بسيادة وسلطة تلك الامبراطوريات والدول في حين تتبنى الدول (الحضارات) الحديثه كالحضارة الغربيه (على تعدد دولها) والصينيه الشيوعيه فكرا ينطلق من اسس عقائديه (دينيه) يتطبع بها كامل النتاج الحضاري فالحضارة الغربية القائمة على اسس الديموقراطيه تنطلق في خطابها من الارث اليهومسيحي فتتعامل مع الاخر وان كان ديموقراطيا على اساس انه ليس يهودي او مسيحي وكذلك الحضارة الصينية الحديثه نسبيا تنطلق في تعاملها مع الاخر من اسس العقيدة الشيوعيه (وان كانت اقتصاديا راسماليه) كذلك تحاول تطبيع افراد الشعب بالطابع الصيني العام (كاللغة والعادات)
الا ان الخلاف بين المثالين يكمن في اكتفاء الصين بنشر طابعها الحضاري داخليا بينما يسعى الغرب الى نشر (او فرض) طابعه الحضاري عالميا انطلاقا من مسيحيته وتهوده (نظرية الرجل الابيض) وتحت مسميات الحريه والديموقراطيه وحقوق الانسان فكانت بداية ذلك السعي في الحملات الاستعمارية الغربيه واكبر مثال على ذلك هو الجزائر حيث سعى المستعمر الى فرض لغته ودينه وثقافته على ابناء الشعب الجزائري المسلم (عربا وامازيغ) والذي كانت نتيجته ثورات متتاليه خلفت ما يزيد عن المليون ونصف شهيد ثم انتقلت هذه المحاولات في العصر الحديث (نهاية القرن التاسع عشر حتى نهايات القرن العشرين) بعد افول الاستعمار الى اعتماد اسليب الترغيب والترهيب العسكري اضافة الى الاستغلال الاقتصادي والتلويح بالديون والمساعدات اضافه الى استغلال السيطره على مجمل توجهات السياسه العالميه من خلال مجلس الامن الا ان الغرب في سيره السريع نحو تحقيق اهدافه تجاهل رد الفعل الطبيعي لكل فعل غير متوقعا لانقلاب السحر على الساحر وتجلت المفارقة هنا على مستويان الاول على مستوى الدول والثاني على مستوى الافراد
فعلى مستوى الدول ظهرت ديموقراطيات حديثه كتركيا اندونيسيا والهند باكستان وهي دول ذات طابع حضاري اسلامي وهندوسي ولكن غير (يهومسيحي) حيث اكتفت باخذ النظام السياسي من الحضارة الغربيه مع الاحتفاظ بالمكونات والعناصر الحضاريه الخاصه بكل دوله مما ادى الى نموها وتطورها
اما على مستوى الفرد فقد حمل الافراد الذين تركو اوطانهم متوجهين نحو الغرب بحثا عن الحرية الفكريه والفرص الماديه حملو معهم دياناتهم ولغاتهم والعادات والتقاليد ولذى نرى انتشار الاسلام والبوذية وغيرها من المعتقدات والاديان في بلاد الغرب اضافه الى انتشار العادات والطابع المعماري واللغات (وحتى انواع الطعام) المعبره عن الاختلاف الحضاري للافراد عن الطابع العام للحضارة الغربيه فكانت الدعوة الى الديموقراطيه وحرية راس المال وحركة الافراد هو السبب الرئيسي ليصبح الغرب الطرف الضعيف في معادلة المد التقافي والحضاري والديني الامر الذي اوجد الرعب في نفوس النخب الغربية على طبيعتهم الحضاريه (اليهومسيحيه) وليس الديموقراطيه والحريه كما يدعون فوجدت القوانين التي توقف الهجرة من الجنوب الى الشمال (وليس من الشرق الى الغرب مثلا) وقيدت حرية الافراد وراس المال (خاصة رؤوس الاموال الخليجيه) ولم يكتف الغرب بذلك بل تعداه الى محاربة الرموز الحضارية المخالفه للحضارة الغربيه كالحجاب والمآذن والعمامة (حتى التي يرتديها السيخ) تحت مسمى العلمانيه
والمتمعن هنا يجد ان محاربة الغرب لهذه الرموز لا ينطلق من مبدأ القوه وانما من منطلق الضعف فلو ان الاسس التي قامت عليها حضارة الغرب صحيحة ثابته لما شنت هذه الحروب بل ان القاريء للخطاب الغربي يجد فيه عدم اعتراف ضمني غالبا وصريحا في بعض الاحيان بالديموقراطيات الاخرى التي تخالف الغرب دينيا وحضاريا فالهند (الديموقراطية الاكبر عالميا) ليست ديموقراطيه بقد ما هي هندوسيه وكذلك تركيا وباكستان وفنزويلى وبوليفيا وغيرها كثير
ولكن السؤال الاهم هو: لماذا يتفرد الاسلام كدين وحضارة بالقدر الاكبر من هذه الحرب؟؟؟؟
وللجواب دعونا هنا نعود الى مثال الجزائر التي ثبتت على حضارتها ودينها على الرغم من الثمن الباهض الذي دفع للحفاظ على الدين والحضارة ولنقارن هذا المثال مع اي دولة افريقيه او امريكيه جنوبيه او اسيويه فنجد ان افريقيا وامريكا الجنوبيه واسيا (غير المسلمه) خضعت سريعا وتطبعت بكل ما اراد الغرب ان ينشره من دين وقيم استهلاكيه وعنصريه والمثال الاكبر لذلك السقوط الثقافي والحضاري تحت سطوة الغرب هو (اليابان) نعم اليابان التي فقدت في اقل من عقد من الزمان وتحت الاحتلال ومن ثم التبعية للولايات المتحده الدين والهوية القوميه والعادات وغيرها كثير من مكونات الحضارة اليابانيه على الرغم من استمرار التمسك بالبعض الاخر
وهنا اترك لكم جميعا التفكير والحكم منطقيا على كلا المثالين
اذا فهذا العجز الغربي عن تطويع الاسلام والمسلمين وسرعة انتشار الاسلام كحضارة ودين في الغرب وعجز الغرب عن مواجهة هذا المد الاسلامي لهو دليل كاف على قوة الاسلام حضاريا وضعف الغرب على الطرف المقابل
لذا يجب علينا جميعا ان نشكر اليمين السويسري ومن قبله الفرنسي والحضارة الغربية بشكل عام ذلك انها رغم امتلاكها لاسباب التفوق المادي والتكنولوجي والعسكري الا انها اثبتت وتثبت وستثبت ضعفها الحضاري المنطلق من (الصهيوصليبيه) امام تسامح وعظمة الحضارة الاسلاميه مبينتا لنا ان اسباب قوتنا انما تكمن في الاسلام لا غيره وان كنا لا نملك شيئا اخر من اسباب قوة الغرب
قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون)
وفقنا الله جميعا الى ما فيه نصرة الحق والدين والله الموفق
والسلام