حكمة المرأة المزابية في يومياتها:
صعوبة العيش في منطقة جبلية التضاريس، صحراوية المناخ، شحيحة المياه، بعيدة عن مواقع الخصب ومراكز الحضارة، ومناطق التجارة وعبور القوافل، جعلت الإنسان فيها يعتمد على توفِّره له بيئته تلك لتسيير يومياته وتلبية حاجاته الحيوية.
فاستعمل ذكاءه العقلي وجهده العضلي، وما يتوارثه من خبرات وتجارب من سبقه في تلك الأرض، ليتحدَّى بها متاعب الحياة في تلك البيئة، ويذلِّل بها تلك الطبيعة القاسية الشحيحة.
فاجتهد الرجل في حفر الآبار العميقة متتبِّعا أثر الماء حتى تحصَّل عليه، وسحق الصخر حتَّى جعل منه أرضا طريَّة رطبة خصبة تنبت له من بقلها وقثَّائها وفومها وعدسها وبصلها، وتذليل الجبال لبناء بيوت فوقها تأويه وتحميه، وصنع أجنَّة وبساتين ظليلة تقيه حرَّ الشمس، وتضمن له قوته وقت أسرته.
كما شمَّرت المرأة عن سواعدها إلى جانب الرجل، لتساهم بدورها فيما يخصُّها، فتحدَّت الطبيعة والحاجة والجهل بجهد عظيم، يوازي أو يفوق جهد الرجل. بما وفَّرته من جهد عن الرجل حتَّى يتفرَّغ لدوره الموكل إليه فطرة وجبلَّة وشرعا.
فبرعت على الخصوص في استغلال وتوظيف جميع المواد والوسائل الطبيعية والحيوانية والنباتية التي وفَّرتها لها الطبيعة بما في ذلك نعمة الوقت؛ وعلَّمتها صعوبة الحياة وشظف العيش في بيتها كيف تستغلُّ كلَّ جزء من هذه المواد وهذه النعم. حتَّى غدت الاستفادة واستغلال كلِّ شيء في محيطها كبيرا أو صغيرا جليلا أو حقيرا، سلوكا اجتماعية وخلقا متأصِّلا ومبدأ محترما يلتزم به الرجال والنساء والكبار والصغار، تتوارثه الأجيال عبر العصور والقرون.
ويتجلَّى ذلك في الحياة اليومية للمرأة المزابية وممارساتها في كل جوانب حياتها، في المطبخ والمنسج وسائر الحرف والأشغال اليدوية، وتعتمد على المواد الطبيعية التي توفرها لها البيئة التي تعيش فيها، أو ممَّا يُجلب لها من الأسواق الخارجية المجاورة أو البعيدة.
فكانت تطبخ ممَّا يغرس زوجها في بستانه، وتأكل الطازج منه وتحفظ بوسائلها الخاصة الطبيعية ما زاد عن حاجتها، وتلبس ما تصنع يدُها من منسوجات صوفية أو وبرية، وتخيط بنفسها من الأقمشة الصناعية ملابسها وملابس زوجها وأبنائها وإخوتها، وتبتكر ما تحتاجه من مستلزمات البيت من فرش وستائر وأغراض نفعية لبيتها.
ولم تتخلَّ المرأة المزابية عن هذه القاعدة والحياة الطبيعية البسيطة الجميلة، إلاَّ بعد ما غزتها الثورة الصناعية العالمية بمنتجاتها الوفيرة الرخيصة المتنوعة الجميلة منظرا، التي جلبها تسارع الاقتصاد العالمي ووفرة وسائل النقل والاتصال، ثمَّ فرضها النظام العالمي الموحَّد بثورة ما يسمَّى: العولمة.
فليتك أيتها المرأة وأيها الرجل وكلَّ الناس في العالم ترجعون إلى الحياة الطبيعية الجميلة ببساطتها، النقية الصحية بنقاء وصحة ما رزقنا الله من نعم وفيرة والحمد لله، كما أثبت العلم الحديث ذلك، وحذَّر في نفس الوقت من الآثار السلبية لتلك المواد الصناعية الكيمائية على صحة الإنسان.
وكلُّنا يعلم أهمية وقيمة وصحة الإنسان في ميزان المادة والاقتصاد والمال.