مدينة غرداية
نشأة غرداية1
بعد العطف وبنورة نشأت مدينة غرداية في سنة 477 هـ وهي في غرب العطف. وكانت أكثر سكَّانا وأحسن موقعا فصارت هي العاصمة الإدارية في ميزاب بعد الاحتلال الفرنسي، والسُّوق الكبرى في الصحراء الكبرى كلِّها. وترى النَّاس يقصدونها من أقصى الشَّمال وأقصى الجنوب ببضائعهم لسوقها النَّافقة، وللتِّجارة الواسعة التي اشتهرت بها.
ومن أوَّل من نزل في غرداية وأنشأها هو الشَّيخ بابا والجمَّة محمد بن يحي، والشَّيخ أبو عيسى بن علوان، وجدُّ أولاد يونس في غرداية وبريان، وقد تزوَّج بنتَ الشيخ باباوالجمة. ثم تلاحق بهم النَّاس حتى بلغوا أربعين رجلا فاختاروا مكان المدينة.وهو جبل منقطعٌ تكتنفه من غربه وشماله وجنوبه جبالٌ منيعة، ويمرُّ وادي ميزاب من شرقه. وفي أعلى الوادي على بعد مِيلَيْن وأقلَّ أراضي واسعة على حافتَّيه للزِّراعة والغراسة. فخطَّطوا المدينةَ أحسن تخطيط. فبنوا المسجدَ أوَّلا وكتَّابَ التعليمِ للصِّغار، ودارَ النَّدوة في المسجد، ثمَّ بنوا حوله السُّوقَ والديارَ، وأحاطوها بسور فيه أبراج عالية محكمة للدِّفاع. ثم صارت تتَّسع شيئًا فشيئًا وتترقَّى إلى أن صارت كما هي الآن مدينة كبيرة راقية.
وكانت عجوزٌ زنَّاتيةٌ تأوي إلى غار في غرب الجبل الذي بُنيت فيه المدينة تُسمَّى (داية) فنُسبَ المكان إليها، فسمِّيَ غار داية. ولمَّا جاء الشَّيخ بابا والجمة وصحبُه انضمَّ إليه الكثيرُ من زنَّاتة الذين كانوا ينصِبون خيامَهم في الوادي لرعي أغنامهم، ويتخذونه مرْبعًا. ومن جملة من انضمَّ إليه هذه العجوزُ وأسرتُها فتعاونوا جميعًا على بناء غرداية، وأَبقَوا لها اسمَها القديم، ولعلَّه للتيَّمُّن (بداية) التي قد تكون من الصالحات. وأهل غرداية يسمُّون داية هذه (لالة ساهلة) ويتيمَّنُون بها ويرونها من الصالحات، وكذلك أهل بريان قد بنوا لها قبَّة جميلة في مدخل المدينة إحياء لذكراها ولازال أَعلى الغارِ قد تُركَ للآثار وبقيتُه رُدِم.
---------------------------------------
1- محمد علي دبوز، نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة، الجزء الأول، صفحة:162
غرداية (تَغَرْدَايْتْ):
معنى الكلمة الأرض المسطّحة الواقعة على ضفّة مجرى الوادي. أسّست عام 477 ﻫ/ 1085م على جبيل منقطع عن باقي الهضبة، وقيل إنّ تغردايت تصغير لكلمة أَغَرْدَايْ الذي هو الجبل.