ما أخبرونا ، أن موتَ واحدٍ ، يعني ألفا ، وأنّ ألفا ، لا يعنونَ سوى نشرةِ المساءِ الخامسةِ ، ومذيعةٌ تقتلُ ما تبقّى من الألفِ سهوا ، برصاصٍ كاتمٍ للوجدِ ، ولا تمهلنا/تُهملنا ، طرفةَ هدبٍ ، ولا أقلّ من ذالك
كيف يمكن للصباح أن يستفتحَ صباحاته دونكِ
إنْ فكّر عبثاً ، أن يتناول قهوته ، في مشربِ الليلِ/النيل ، من أين له ثمنُ كوبٍ بلا سكّرٍ
هاتفي الشمسَ/الكوكبَ الزاهي/المحروسةَ المحروقةَ ، قولي: أنا لا أحبُّ التلكّع ، في انتظار التوافهِ من الأمورٍ ، وأغلقي الخطّ ، لا وقتَ للعبثِ ، حين تجيشُ قلوب العابرين ، بذكريات الوطن .
كلّ حزنٍ طويلٍ ، يبعثونَ لنا "عيداً" ، وسعيداً يقولونَ ، ونفرحُ يوما ، واثنينِ ، وأربعة ، ونربّت على أكتافِ بعضنا ، ونقبّلنا ، وفي الليلِ ، يحضن كلّ منّا نفسه من الفرحِ ، وصباحاً ، حين تورقُ الشمس ، نسقي أشجارَ البيتِ ، ولا نضرب أبناء الجارِ الميّتِ ، لأنّهم أيتامٌ ، ولأنّه عيدٌ ، ولأنّ أمّهم ، تحترف التسوّلَ يوم العيدِ أكثر.
وللصديقِ ، الآبقِ من أمّه ، يبحث عن فتاةٍ أجملَ قليلا ، تمهّل ، كلهنّ يبحثن عن أجملٍ ، يمشينَ معهم قليلا ، وللأمِّ في باحةِ الدارِ ، تغسل عاركَ ، عن بقايا الدواوين التي خططتَ لأنثى غيرها ، والأميّة/الجهل/القمع ، تصرخُ: ابنكِ للريحِ مضى ، ولعاهرة تبيع شَعرها ، ليفاً/لجاماً/مربطاً لوسادةٍ في فندقٍ غريب ، وتبكي ضاحكة: أنتَ أوّل من عرفتُ وآخرهم ، وتضجّ الوسائد من تحتها: ورفيق الأمسِ ، نفسُ الهمسِ ، ويومٌ جديد .
أعدُّ سككَ الحديدِ ، أعمدةَ الضوءِ ، زجاجَ البناياتِ ، أيقونةَ الشُرَطِ ، خيباتُ ذاتي ، وابتسامةُ الوالهين ، تلويحة المودّعين ، وسنيُّ عمرٍ ، يرحل بطيئاً ، حين لا تكونينَ ، ويُسابق الصوتَ/الفوتَ ، يُعلنُ رحيله ، آنَ المجيء المبكّر لكِ ، كنيسانَ ، في حقولِ البقاعِ ، يحبُّ الشيعيّةَ تقبّلُ السنيَّ ، السنيَّ يقبّل الشيعيّةَ ، الدرزيَّ يستمتع بالمشاهدةِ ، وينصرفُ مؤمناً بلبنان .
للأعظميّةِ ، سأوجّه قلبي ، أقولُ لربّي: هنا صلّى الإمامُ الأعظمُ ، ثمّ ماتَ ، ومن يومِ ماتَ ، متنا ، وما بقينا ، ومن قبله ، ما أخبرونا ، أن موتَ واحدٍ ، يعني ألفا ، وأنّ ألفا ، لا يعنونَ سوى نشرةِ المساءِ الخامسةِ ، ومذيعةٌ تقتلُ ما تبقّى من الألفِ سهوا ، برصاصٍ كاتمٍ للوجدِ ، ولا تمهلنا/تُهملنا ، طرفةَ هدبٍ ، ولا أقلّ من ذلك .
سأقرأ وصيّة الصديقِ الصدّيقِ الذي أحبّ كما لو لم يعرفِ الفقدَ ، ونهارا ، حين القمرُ يولّي شطر الكنيسة الحرامِ حدبهُ ، يقولُ: ماذا عنها ، لتحرس مراعيها جيّدا ، أو سأدعو عليكَ ، بحجّة الإهمالِ ، دعوتينِ ، واحدة لمجلس الشيوخِ ، وأخرى لمجلس النوّاب المسوخِ ، ويضحك القمرُ ، بكبر أعوجٍ أعرجٍ ، سأدخل الترشيحَ ، وأفوزُ ، أفوز .
وقد قلتّ لكم مرارا ، مرّ عليّ كثيرونَ قبلها ، وما مرّ مثلها بعدها ، كغيمةٍ بتمّوزَ ، آن يكون الطقسُ باردَ الحرْقِ ، حارقَ البردِ ، وظهري يئنّ ، يشكو انبثاق الظهيرةِ ، دون إذنٍ مسبقٍ من لجنة الوزارة الحمقاء ، وهي تتمشى على حوافّ المدينة ، بعيدة عن ضوضاء الريفِ ، وتكنوقراطِ المدنِ المزنّرة بالعهرِ ، ورقصنا طويلا ، وبكت حينَ الوداعِ قائلةً: أنتَ أجملُ الأوغادِ ، وقلتُ: وأنتِ ، ليباركِّ الربُّ ، وقرأنا صحيفةً ، وكانت ملامحي ، تطابقُ سحنةَ أوّلِ المطلوبينَ ، وسلّمتني بكلّ لُطفٍ ، وحُبٍّ وطنيٍّ ، للسلطةِ المؤمنة بالتعاونِ والسمسرةِ والقوادةِ ، وقالت: لا تبأس مدّة السجنِ عامانِ ، هل ستفعل شيئا لو بقيت مسجونا طليقا ، بدلا من كونكَ طليقا مسجونا ، وسأرسلُ لكَ رسالةً كلّ شهرٍ ، أخبرك عن عناويني القادمة ، وعن ملامح وجهك المستجدِّ ، بصحيفة الغدِ ، وسأخبرهم عن ملامح الذين يشبهونكَ ، ربّما تكون بريئا ، ويخرجونك بعد عامٍ ونصف .
أطبقتُ شفاهي ، أغمضتُ عينايَ ، وقلت لعابرٍ أعمى ، انظر: حين يجيء دوري في قتلى النشرةِ أخبرني ، فبكى من الحزنِ ، ولأنّه لن يراني قتيلاً بكى أكثر .
وقالت أمّهُ له ، لمَ لا تصوم الستَّ من شوّال ، ألا ترى سِعر القمحِ ، سُعارَ الصغيرِ ، وأزمة الوطنِ المائتِ من الجوع ، فصُمْ ، إنَّ الصومَ مفيدٌ للشبابِ ، وِجَاءٌ للأعزبِ ، وِعاءٌ للمثابِ ، وكذلك القمحُ نادرٌ يا ولدي ، وصامَ ، حتى الغروب ، وأسرّت له أمّه: لا تُفطرْ ، فيحبطَ عملكَ الزاكي ، كان داودُ عليه السلامُ ، قلْ عليه السلام ، يواصل الصومَ ، يومينِ ، ثلاثةٌ ، فلا تفطرْ ، هل داود عليه السلام أشبُّ منكَ ، وأنت الذي تزعم أنّك القويّ المتين ، وبكى ، كان أشبّ من داوودَ ، ولكنّه كان أكثر جوعا ، ومات صائما ، وعلى قبره كتبوا: شابٌ قويّ متينٌ ، ماتَ جوعا .
تغنّي ماجدةُ للعيدِ ، وحزبُ اللهِ ، يأتمر مؤتمره الآتي ، ويمكُر السنيّونَ الفرقاءُ بالشيعةِ الضعفاءِ ، ويخرجُ الصدريُّ الصفويُّ الماورديُّ الثعالبيُّ الإيرانيّ ، ليعلن شراء أكبرِ مساحات الجنّة ، ورهنِها ، للسادةِ المشرقينَ عمائماً سوداً ، وقلوبا كذلك ، ويوسف من قطرِ ، يصيح بالخليج: يا خليج ، يا واهب النفطِ والإفكِ والسحتِ ، إنِكم زائلون .
وما كان لي أنْ أكذبَ إلا قليلا ، وأنْ أبكيَ إلا كثيرا ، وأنْ أتذكّر كلّ الوجوه عدا وجهِ أمّي ، لأنّي لا أنساهُ أصلاً ، وأنْ أحجَّ للبيت الأبيضِ ، والرئيسِ الأسودِ ، والشعب المائجِ ما بين البورصة ، والفرصة ، ومابين ضفيرةِ عراقيّةٍ ، تهامسُ دجلةََ: هنا سبحتُ في نهرٍ من دمٍ/ماءٍ/عارٍ/خمرٍ غصّة للعابرين .
وما كلُّ قتيلٍ مقتولٌ ، وربّ قاتلٍ ماتَ قبل قتيله ، وربّ قتيلٍ لا يموت أصلا. القتلُ: مفاجأةُ الموتِ ، بالموتِ . القصاصُ: الحياةُ قتلاً ، القتلُ حياةً .
سأتركُ الأمرَ ، أو يتركني ، وسأفكّرًُ فيكِ كثيراً ، وأقول للموجِ وللنجومِ تلمعُ فيه ، وللمراكب تُعابرُ تباعاً من تحت الجسور ، وللجسورِ تعانقُ أكنافَ المدنِ من فوق المراكبِ ، خشيةَ السقوطِ: هذا يومكم الذي لم تكونوا توعدونَ ، والفجأة خيرٌ لهم ، ولربّ بغتةٍ ، خير من عبادة انتظار .
وسأصرخ بغزّة: انشري موتاكِ على حبلِ غسيلِ النشرةِ ، واحداً واحداً ، سيعتقون من النارِ أو الحياة ، في رمضانَ وبعده ، ومُرِي أطفالكِ لا يشيخوا بغتةً ، وأن يقتصدوا في الحجارةِ لأنّ الحجّ آتٍ ، ومصرُ ، ستسمح لما تبقّى من جثامين الغزاةِ بالعبورِ لمكةََ ، حتى إذا ما جاؤوها ، لبّوا لأمريكا ، وللصلحِ ، من شدقي عباسٍ ، وحماسٍ ، وأناسٍ آخرين .
وسأكرّر لغزّةَ: تمطّي قليلا من الموتِ إلى الحياة ، دون ضجيجٍ ، أتريدين خيرا مما عند الله ، وما عند الله خير وأبقى ، للمتقينَ ، الجائعين ، المشرّدين ، المسحولين ، المائتينَ ، الباكين بغير دموعٍ ولا شفاه .
وسأوصي لجانَ غزّة: لا تموتوا جميعا ، فتربكوا عين المذيعةِ ، تعدّكم واحدا واحدا ، من غير آلة حسابٍ ، ولا مقياسٍ رقميّ ، ولا تفكّروا بأخذ شيءٍ من الحياة ، لأنّ الموتَ غنيٌّ ، ولأنكم فقراءُ ، ولأنُ المقابرَ لا تحبُّ الفقراءَ ، وتكسر شواهِدهم آناءَ الليلِ ، وأطرافَ المدنِ ، لعلّها تنجو من معرّة البرولِيتاريّة .
ولأنّ الساعةََ ، ينصرفونَ لمعاملِ الدرسِ/الهرسِ ، وللوظائفِ/المخاوفِ ، ولدواوينِ الوزاراتِ/الأماراتِ ، ولنقاطِ التفتيشِ/التشويشِ ، وللدّكاكينِ المستأجرةِ للتبغِ ، البيوتِ المؤجّرةِ لمحو أميّةِ العقلّ المسودِّ ، المشاغلِ المعبأة ِبآلاتِ التصويرِ/التزوير/التحويرِ ، ولمحطّات الوقودِ تستجلبه من خارج الوطنِ ، وللجوامع/المجامع يستخرجون منها رزقاً مسروقاً ، وعن أشياءَ لا تعني أحدا ..
فإنّي كتبتُ ، وما كذبتُ ، قلت لكم: سأكذبُ قليلا ، وفعلتُ حين صدقتُ ، وحين لم أصدقْ ، لم أكذبْ إلا قليلا . لا تقولوا أمراً ، فقط ، رتّلوا أوجاعكم ، بفرحٍ مخمليّ وارحلوا . هل كلّ ما مرّ بالموجِ شراعٌ خَرَّقَه .
ولكي أرثِيني ، فكّرتُ: يلزمُني أنْ أمُوتَ أكثرْ . لا يستحقُّ الرثاءَ منْ يَمُوتونَ قليلا . وعليهِ قدّمتُ من عمري عشرينَ عاماً ، وأخرى اقْترَضتُها من صديقةٍ ، وقلتُ لها ، سأستكشفُ الموتَ ، هذا الذي يقولونَ عنهُ ، إنْ كانَ خيراً فلكِ ، وإن كان سوءً كُفيتيهِ ، وسأمضي إليه وحيدا ، وأُهاتفكِ ، قالت: لا تَتأخّرْ أرجوكَ ، لا أحبُّ الحياةَ وحيدة .