الفرق بين النقد والبلاغة .
--------------------------------------------------------------------------------
معني البلاغة :
البلاغة مشتقة من كلمة ( بلغَ ) ، التي تعني الوصول إلي النهاية ، فهي تعني في اللغة : إيصال المعني كاملا إلي ذهن القارئ والسامع .
وإذا ربطنا بين علوم البلاغة والعناصر الأساسية للعمل الأدبي وجدنا لماذا انقسمت البلاغة إلي ثلاثة علوم - كل علم منها يختص بركن أو عنصر من عناصر الأسلوب كالآتي :
1 - علم المعاني : ويختص بعنصر المعاني والأفكار ، فهو يرشدنا إلي اختيار التركيب اللغوي المناسب للموقف ، كما يرشدنا إلي جعل الصورة اللفظية أقرب ما تكون دلالة على الفكرة التي تخطر في أذهاننا ، وهو لا يقتصر على البحث في كل جملة مفردة على حدة ، ولكنه يمد نطاق بحثه إلي علاقة كل جملة بالأخرى ، وإلي النص كله بوصفه تعبيرا متصلا عن موقف واحد ، إذ أرشدنا إلي ما يسمي : الإيجاز والإطناب ، والفصل والوصل حسبما يقتضيه الموقف .
2 - علم البيان : ويختص بعنصَريْ العاطفة والصور الخيالية معاً - لأن الخيال وليد العاطفة ، وقد سمي علم البيان لأنه يساعدنا على زيادة تبيين المعني وتوضيحه وزيادة التعبير عن العاطفة والوجدان ، باستخدام التشبيهات والاستعارات وأنواع المجازات .
3 - البديع : ويختص بعنصر الصياغة ، فهو يعمل على حسن تنسيق الكلام حتي يجيء بديعا ، من خلال حسن تنظيم الجمل والكلمات ، مستخدماً ما يسمي بالمحسنات البديعة - سواء اللفظي منها أو المعنوي .
علوم البلاغة وعناصر الأسلوب:
* علم المعاني : يختص بالمعاني والأفكار
* علم البيان : يختص بعنصري العاطفة والصور الخيالية .
* علم البديع : يختص بتنسيق الصياغة وتجميل الأسلوب
الفروق بين النقد والبلاغة :
1 - وهذه العلوم الثلاثة للبلاغة هي علوم جمالية يستفيد منها الأديب قبل إنشاء النص ، وتنتهي مهمتها عند الانتهاء من كتابته ، فالبلاغة علم تعليمي - يعلمنا كيف نعبر عن المعاني تعبيراً محددا لها - وكيف نريد من تبيين المعني والعاطفة وكيف ننسق الأسلوب والصياغة .
2 - أما النقد الأدبي فهو علم وصفي ، فهو يتضمن أصولاً وقواعد نقدية تطبق على النص الأدبى عند تقويمه - بعد تحليله وتفسيره ، ثم يكون الحكم له بالجودة ، أو عليه بالرداءة .
3 - والنقد الأدبي يفيد الأديب قبل الشروع في عمله - أي قبل بدء الكتابة - إذ كلما كانت ثقافة الأديب النقدية واسعة واعية تجنب الوقوع في الأخطاء ، وكذلك يفيده بعد الانتهاء من كتابة النص ، وذلك عند مراجعته ، وتمحيصه .
4 - ولهذا فالنقد الأدبي يجمع بين روح العلم وروح الفن - فهو مع وجود أسس نقدية دقيقة لكل عنصر من عنصر العمل الأدبي إلا أنه يمتاز بالمرونة - كما يخضع لحد كبير للذوق الخاص للقارئ أو الناقد ومن هنا قالوا النقد علم يجمع بين الذاتية والموضوعية .
3- وظيفة النقد الأدبي :
للنقد الأدبي وظيفتان شاملتان للكثير من الجوانب ....
1- وظيفة جمالية فنية . 2 - وظيفة عملية .
أولاً : الوظيفة الجمالية الفنية :
وهي التي تختص بالأدب كفن من الفنون الجميلة الراقية ، فيتناوله النقد من حيث : الشكل والمضون ، وذلك بتفسير كل منهما وتحليله ، ثم الحكم له أو عليه .
أولاً : فمن حيث الشكل : وهو الذي يشمل : لغة النص ، ومفرداته ، وأسلوبه وصوره الفنية ، وجرس ألفاظه وإيقاعها .... وضع النقاد مقاييس كثيرة ودقيقة لجودة كل عنصر من عناصر الشكل :
* من شروط المفردات ( الكلمات ) :
الدقة ، الإيحاء ، السهولة ، الألفة ، الطرافة ، الشاعرية ، الاستعمال ، الإفادة ، التكرير ، استعمال حروف الصلات والاصطلاحات .
* ومن شروط جودة الأسلوب :
مقياس النحو ، الوضوح ، القوة ، المحسنات البديعية ، التلاؤم بين اللفظ والمعني ، المؤاخاة بين الألفاظ ، الطبيعية والتكلف ، وحدة النسج ، وضعف التأليف .
* ومن حيث الصور الخيالية أو الشعرية :
1 - وضعوا شروط لجودة التشبيه ، وجودة الاستعارة ، وكذلك جودة الكناية والمجاز..
2 - عرفوا أنواع التشبيهات ، ونوع الصورة الشعرية : الجزئية - الممتدة الكلية - الفسيحة .. وعناصر كل منها .
* كما عرفوا موسيقي الشعر ، وما يجب على الشاعر تجاه الجرس الصوتي للحروف والإيقاعات ، وحسن التأليف بينها ، ومراعاتها للموقف ، وعرفوا الموسيقي وأنواعها الخارجية والداخلية الظاهرة ، والداخلية الخفية - وأثرها في جمال النص ... ومصادر كل منها . كل هذا من اختصاصات وظيفة النقد الفنية الجمالية في جانب الشكل ...
ثانياً : من حيث المضون :
والمضون يشمل المعاني والأفكار ، كما يشمل العاطفة والمتعة الفنية . وقد وضع النقاد مقاييس كثيرة لجودة عناصر المضون .
مقاييس نقد المعني :
الصحة والخطأ ، الابتكار والتقليد ، الطرافة ، الوفاء بالمعني ، الدين والخلق العلم والشعر ، المقياس النفسي - المقياس الإنساني ، الشرف والخدمة ، التناقص ، الصدق والكذب ، الإحالة ، الاتباع والابتداع السطحية والعمق ، الموهبة الشعرية ، تجويد المعاني ... إلخ .
مقاييس نقد العاطفة :
نوع العاطفة ، فردية - جماعية - الصادقة والكاذبة ، قوة العاطفة وعمقها ، استمرارها في أجزاء القصيدة ، أثر العاطفة على الأسلوب والخيال .
فنون الأدب الأخرى :
أما بقية فنون الأدب فقد درس النقد مكوناتها وعناصرها الفنية، فالمقال والخطبة ، لكل منهما مقدمة وعرض وخاتمة وشروط كل ركن منها ... والقصة لما لها من عناصر فنية : الحكاية ، الأحداث ، الشخصيات ، العقدة ، الحل ، المغزى ، والمسرحية - بما فيها : من الأحداث والحوار والحركة المسرحية ، والبداية والنهاية فهناك تبعاً لذلك ناقد قصص ، وناقد مسرحي .
ثانيا: الوظيفة العملية :
ونعني بالوظيفة العملية فائدة النقد الأدبي في خدمة كل من : الأديب ، القارئ ، والحياة الأدبية .
1- خدمة النقد للأديب :
* يقدم النقد خدمات جليلة للأديب منها :
أ - دراسة أدبه ، وإبراز نواحي القوة والضعف فيه .
ب- تصحيح مساره الأدبي .
ج - إسداء النصح والتوجيه الموضوعي له .
د - رعاية موهبته الأدبية وتنميتها .
* ولهذا نعرف سبب شكوي بعض الأدباء من تجاهل النقاد لهم ، وعدم الاهتمام بإنتاجهم - حتي قال الخليل بن أحمد ( واضع علم العروض ) [ أنما أنتم - معشر الشعراء - تبع لي ، وأنا سكان السفينة ، إن قرظتكم ورضيت قولكم نفقتكم - راجع شعركم - وإلا كسدتم ] .
2- خدمة النقد للقارئ :
1 - ييسر للقارئ فهم النصوص ، وتقريبها له .
2 - التنبيه على الجيد والردئ في الأدب .
3 - يساعده على حسن الاختيار للجيد من النصوص الأدبية .
4 - تربية ملكة النقد والتذوق والحس الجمالي عند القراء .
ثالثا : خدمة النقد للحياة الأدبية :
1- الإسهام في رقي الحياة الأدبية ، وتوجيه دفة الحياة الأدبية .
2- تنمية الذوق الأدبي العام ، مما يؤدي إلي ارتفاع مكانة الأدب الجيد .
3- هو حارس أمين على الحياة الأدبية ، يتولي رعاية قيم الأمة وثوابتها ومبادئها . فيقف ضد الأدب الذي فيه تجاوز لهذه القيم ، سواء الدينية أو الأخلاقية ، أو الوطنية للأمة .
4- هو المعيار الذي تختار به شروط النصوص الأدبية المطلوبة .
5- تقويم الأعمال الأدبية عن الدراسات أو المسابقات .
نموذج تطبيقي لوظيفة النقد الفنية والجمالية :
قال أحمد شوقي في رثاء مصطفى كامل :
المشرقان عليك ... ينتحـــبان
قاصــــيهما في مأتم والدانـي
دقات قلب المـــرء قائله .. لـه
إن الحياة دقائـــق وثـــوان
فاحفظ لنفسك بعد موتك ذكــرها
فالذكــر للإنســان عمر ثـان
عرفنا أن النقد الأدبي يتناول دراسة النص وتحليله وتقويمه ، من حيث عناصره الأربعة : المعني ، العاطفة ، الخيال ، الأسلوب ، وفي الأبيات السابقة نجد هذا كالآتي :
1) المعني : نلاحظ أن المعني :
أ - يتسم بالوضوح ، فلا يعجز القارئ عن إدراك ما يريده الشاعر .
ب- عمق المعني وقوته ، فقد استحث القراء إلي المبادرة للعمل والجد .
2) العاطفة :
أ - أعطت الأبيات صورة كبري للدنيا بأجمعها من مشرقها إلي مغربها ، وهي في حزن ومأتم - مشاركة وجدانية لهذا الحادث المؤلم .
ب- من الصور الجزئية :
- المشرقان ينتحبان : استعارة مكنية ، تجعل الشرق والغرب شخصين يبكيان بحرقة حزناً وتأثرأً بالفجيعة .
- دقات قلب المرء قائلة : استعارة مكنية ، تجعل الدقات شخصا يقول للإنسان إن الحياة دقائق وثوان .
- الذكر عمر ثان : تشبيه للذكر بعمر ثان للإنسان .
3) الأسلوب : نلاحظ :
أ - وضوح معاني المفردات - فليس فيها ما يحتاج لمعجم ، أو ما غمض على القارئ .
ب- سلامة اللغة ، وخلوها من الخلل .
ج- دقة استخدام الكلمات ، مثل : ( المشرقان ) تثنية للتغليب والشمول .
د - التناسق اللفظي في اختيار الكلمات مثل ( دقات ) فهي أدق من غيرها مثل ( نبضات ) لا تساقها مع ( قلب ، قائلة ، دقائق ) .
ومثل التناسق بين ( ثوان ، ثان ) .
ومن ذلك دقة استخدام ( قائلة ) بصيغة اسم الفاعل لدلالة على التجدد والاستمرار . وكذلك استعمال ( له ) وما توحي به من تأنيب النفس لصاحبها .