--------------------------------------------------------------------------------
التشبيه أسلوب من الأساليب البيانية وهو ميدان واسع تتبارى فيه قرائح الشعراء والبلغاء. ولعله هو وأسلوب الاستعارة من أكثر أساليب البيان دلالة على عقل الأديب وقدرته على الخلق والإبداع.
ولما كان التشبيه على هذا الوضع يعد مقياسا يقاس به بلاغة البليغ وأصالته فإننا نرى من البلغاء من لا يقف في الدلالة على براعته في التشبيه عند حد إجادته وإنما يتجاوز ذلك إلى الإتيان بأكثر من تشبيه في بيت واحد.
فمنهم مثلا من شبه شيئين بشيئين في بيت واحد كقول إمرىء القيس :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا *** لدى وكرها العناب والحشف البالي
فقد شبه الرطب من قلوب الطير بالعناب واليابس منه بالحشف البالي.
وكقول البحتري في وصف الندى تحمله شقائق النعمان :
شقائق يحملن الندى فكأنه *** دموع التصابي في خدود الخرائد
فقطرات الندى مشبهة بدموع التصابي وشقائق النعمان بخدود الحسان.
ومنهم من شبه ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء كقول ابن الرومي :
كأن تلك الدموع قطر ندى *** يقطر من نرجس على ورد
شبه الدموع بقطر الندى والعيون بالنرجس والخدود بالورد.
وكقول ابن المعتز :
بدر وليل وغصن *** وجه وشعر وقـد
خمـر ودر وورد *** ريق وثغر وخـد
في البيت الأول شبه البدر بالوجه والليل بالشعر والغصن بالقد وفي البيت الثاني شبه الخمر بالريق والدر بالثغر والورد بالخد.
ومنهم من شبه أربعة أشياء بأربعة أشياء كقول إمرىء القيس :
له أيطلا ظبي وساقا نعامة *** وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
شبه خاصرتي الفرس بخاصرتي الظبي وشبه ساقيه بساقي النعامة وشبه إرخاءه أي مد عنقه في استرسال عند السير بإرخاء السرحان أي الذئب وليس دابة بأحسن إرخاء منه وشبه تقريبه أي جمع يديه ووثبه عند الجري بتقريب التتفل أي ولد الثعلب والمعنى يوحي بأنه أراد الثعلب بعينه مشبها به.
وكقول المتنبي :
بدت قمرا ومالت خوط بان *** وفاحت عنبرا ورنت غزالا
شبه المتغزل فيها بالقمر حسنا وشبه تمايلها في مشيتها بغصن البان وشبه طيب رائحتها بالعنبر وشبه سواد مقلتيها عندما ترنو وتنظر بالغزال
ومنهم من شبه خمسة أشياء بخمسة أشياء كقول أبى الفرج الوأواء الدمشقي :
قـالـت وقــد فتكـت فينـا لواحظهـا *** كـم ذا أمـا لقتيـل اللحظ من قــود
وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت *** وردا وعضت على العناب بالبرد
إنسانة لـو بـدت للشمس ما طلعـت *** من بعـد رؤيتهـا يوما على أحـــد
كأنمـا بين غـابـات الجفـــون لهـا *** أســد الحمـام مقيمات على رصـد
ففي البيت الثاني شبه دموعها باللؤلؤ , وعينيها بالنرجس , وخديها بالورد , والأنامل المخضوبة بالعناب وثناياها بالبرد.
ويقول أبوهلال العسكري :" ولا أعرف لهذا البيت ثانيا في أشعارهم " ومعنى هذا أن أقصى ما وصل إليه الشعراء هو تشبيه خمسة أشياء بخمسة أشياء في بيت واحد وأن هذا النوع نادر في الشعر العربي