بسم الله الرحمن الرحيم
هل الغاية من الشغل حفظ البقاء و حسب ؟
مقدمة: إذا كان بإمكان الإنسان اليوم أن يلاحظ مدى القلق الذي يحدثه الشغل في الأسر الحديثة فان الأمر ذاته كان يحدث لدى الأسر القديمة و حتى عند الإنسان الأول قبل انضمامه الى المجتمع المدني و إذا كان الإنسان يتحمل هذا القلق و هذا التعب في سبيل الحصول على عمل من أجل تلبية رغباته و اشبع حاجاته الضرورية التى تحفظ له البقاء فهل تلبية ضروريات الحياة و المحافظة على البقاء هي الغاية الوحيدة للشغل ؟
التحليل: الشغل ضرورة بيولوجية تحفظ بقاء الإنسان
ان اكبر مشكلة صارعها الإنسان منذ وجوده في تلبية الضروريات و الحفاظ على الوجود بتوفير المأكل و الملبس و المشرب و المأوى الخ و لا يتسنى له ذلك إلا بالشغل و هكذا يرى أنصار الاتجاه البيولوجي ان الحاجة البيولوجية هي الدفع الأساسي للشغل و دليلهم على ذلك أن الإنسان منذ العهود الغابرة لو وجد كل شيء جاهز في الطبيعة لما أقدم عن العمل و على بذل الجهد لتغيير الطبيعة أو التأثير فيها و الوقع يثبت تاريخنا ان طبقات ترفعت عنه و أكرهت الآخرين عليه ( المجتمع اليوناني نظرة أفلاطون من خلال كتابه الجمهورية ) نظرا لما في الشغل من إلزام و عناء و قساوة.
و لكن الإنسان و بوصفه أرقى الكائنات تجاوز الصراع القائم بينه و بين الطبيعة و لم يعد نشاطه موجها الى سد حاجاته البيولوجية و حسب و إنما أنتج قيما روحية و معنوية للشغل مكنته من إنتاج حضارة متقدمة
الشغل ليس ضرورة بيولوجية بل عنوان التقدم و الرقي:
لقد تغير موقف الإنسان من الشغل عبر التاريخ فنظر إليه اليونان نظرة احتقار و اعتبرته اليهودية لعنة و ربطته المسيحية بخطيئة آدم، أما الإسلام نظر الى العمل نظرة مختلفة تماما عما سبق حيث اعتبره في منزلة العبادة و أوجبه على الجميع حيث قال تعالى (( و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنين )) كما اعتبره نعمة تستجدي الشكر و شرفا يحاط به المرء حيث يقول الرسول (ص) " ان أشرف الكسب كسب الرجل من يده " وسيادة لصاحبه حيث يقول أيضا " خادم القوم سيدهم " و هكذا أخذ العرب هذه الصفات النبيلة للعمل و أصبح الشغل ذلك الجسر الذي يمر به الإنسان من مرحلته البدائية الى المرحلة الحضارية أين أصبح يتحكم في الطبيعة كما يقول هيغل:" أصبح الإنسان يمتلك الطبيعة " و يهدف الى تحقيق القيم الاجتماعية حيث يرى أنصار الاتجاه اٌجتماعي أن الشغل ظاهرة اجتماعية باعتبار ان الفرد بمفرده عاجز في إشباع حاجاته مما فرض عليه التعاون مع الغير فنشأت التجمعات السكانية كالمدن و القرى فأصبح الشغل نشاط جماعي و يهدف الى تحقيق قيم اجتماعية حيث ذهب ابن خلدون الى أن الإنسان مدني بالطبع و أن الشغل نشاط ملازم للاجتماع البشري،
لكن الشغل كان في بدايته دافعا بيولوجيا و لا يعتبر شرفا عند جميع الناس فالدافع البيولوجي لا يزال فاعلا خاصة في ظل بعض الأنظمة التى تشغل حتى الأطفال و في سن مبكر
الشغل دافع بيولوجي و دافع أخلاقي اجتماعي معا:
لقد كان العمل في البداية واقعا بيولوجيا فحاجات الإنسان كثيرة و إمكاناته الأولية محدودة فكان همه في الحياة تلبية ضرورياته و المحافظة على وجوده لكنه بعد التحكم في الطبيعة و ظهور العلوم و الصنائع أصبح الشغل دافعا أخلاقيا و اجتماعيا و لم يعد الدافع البيولوجي سوى وسيلة و ليس غاية حيث يقول الرسول (ص)" نحن قوم نأكل لنعيش و لا نعيش لنأكل"
خاتمة: ان الدور الكبير الذي لعبه الشغل في حياة الإنسان قديما و حديثا يكشف عن القيمة التى يحتلها اليوم عند الأفراد و الشعوب فهو بالإضافة الى أنه مصدر النمو و التطور و الرقي في سلم الحضارة فانه المقياس الذي نقيس به مدى تقدم الأمم و الحضارات