المشكلات المدرسية واساليب معالجتها
د. غالب محمد رشيد الاسدي في 01 / 06 / 2009م
قسم : بحوث ومقالات تعليمية تربوية
لم تعد العملية التربوية في المدارس كما كانت عليه في العصور الماضية ، فالتطور العلمي والحضاري والتكنولوجي الهائل والكبير الذي حدث خلال مدة زمنية قصيرة ألقى بظلاله الايجابية والسلبية على عملية التعلم في المدرسة ، مما أدى إلى ظهور مشكلات تربوية في المدرسة تختلف من حيث الكم والنوع عن المشكلات التي كانت سائدة في أزمان ماضية، وبالتالي فان البحث عن أساليب يمكن عن طريقها إجراء معالجات تربوية شاملة مطلب تربوي يعرض نفسه وفقا لهذا الواقع الملموس في مدارسنا في الوقت الحاضر .
يكمن دور الإدارة المدرسية في أسلوب التعامل مع المشكلات التربوية التي تظهر في المدرسة ، فالإدارة الدكتاتورية مثلا لها أثرا سلبيا في ظهور تلك المشكلات وعادة ما تفشل في علاجها العلاج التربوي الناجع ، وكذلك ينطبق الأمر على الإدارة التسيبية التي تعطي فرصة لظهور تلك المشكلات ، بينما انفردت الإدارة المدرسية الديمقراطية في البحث عن أسباب المشكلات ومعالجاتها التربوية والتي ربما تدفع الإدارة المدرسية للاستعانة بالجهات التربوية أو الرسمية أو الجهات المهتمة للمشاركة في البحث عن أسباب المشكلة والكيفيات التي يمكن عن طريقها القيام بالمعالجة التربوية والعلمية المناسبة ، لكن من حيث الواقع التربوي السائد في الإدارات المدرسية في المدارس أنها تميل إلى النوع الأول والثاني ، بينما غابت بل تكاد أن تكون همشت الإدارة التربوية الديمقراطية .
اتخذت أساليب معالجة المشكلات في المرحلة التربوية سابقا عدة أساليب تختلف من مؤسسة تربوية إلى أخرى ومن مدرسة إلى أخرى بل من معلم إلى أخر ، وتلعب الظروف التربوية والحالة النفسية للمعلم دورا كبيرا في استعمال أسلوب معالجة المشكلة أو محاولة حلها دون النظر إلى عواقبها المرحلية أو المستقبلية على الطالب . من هذه الأساليب العلاجية الآتي:
1- استعمال أسلوب العقوبة البدنية من الضرب بالعصا إلى الضرب باليد أو أي طريقة أخرى تؤدي إلى الإيذاء الجسدي ، وهذا الأسلوب من أكثر الأساليب شيوعا وانتشارا في المدارس للأسف الشديد لأنه ابسط وأسهل الأساليب لحل المشكلة ، وقد أثبتت الدراسات والبحوث المتخصصة في الميدان التربوي محدودية نجاحه وفشله بنسب مئوية دالة إحصائيا في حل المشكلات ، إذ لوحظ انه حل مؤقت سرعان ما تعود المشكلة إلى الظهور مرة أخرى إذا وجدت الظروف المناسبة لظهورها ، وبالتالي في أي ظرف من الظروف لا يمكن اعتماد نتائج هذا النوع من أساليب المعالجة في حل أي مشكلة تربوية مهما كان نوعها أو حجمها .
2- استعمال أسلوب العقوبة المعنوية والتي أشارت بعض الدراسات إلى نجاحها في حل بعض المشكلات التربوية لما لها من آثار أكثر فعالية في الردع أو الحد من المظاهر السلوكية غير المرغوبة في المدرسة ، ولكن مع ذلك فان تأثيرها ربما يكون هو الآخر مرحلي مثل العقوبة البدنية لاسيما عندما تتكرر بمناسبة تستحق استعمالها أو من دون مناسبة تستحقها ، وخير مثال لهذا الأسلوب في المدارس هو الطرد من الصف أو إنقاص درجات الطالب في المادة الدراسية ، وغالبا ما تستعمل هذه الطريقة من بعض المعلمين الذين يمتلكون معلومات علمية جيدة عن أساليب العقوبة الرادعة والذين تعرفوا على آثارها عن طريق مواد التربية وعلم النفس التي درسوها في كليات أو معاهد التربية أو تعرفوا عليها عن طريق دورات التعليم المستمر التي تجريها الوزارة لهم أو عن طريق التجربة الشخصية من استعمالها ، مع ذلك فان هذا الأسلوب يبقى غير ناجح في حل بعض المشكلات التربوية فيما إذا استعمل في ظرف أو مكان غير مناسبين .
3- استعمال الأسلوب التوفيقي بين العقوبة البدنية والمعنوية ، وهذا الأسلوب هو الآخر يكون أحيانا كيفيا ، أي يستعمل المعلم أسلوب العقوبة البدنية في حل المشكلات مع بعض التلاميذ ، ويستعمل الأسلوب الثاني مع البعض الأخر ، وهو أسلوب فيه خطورة تربوية لأنه يفرق بين التلاميذ من جهة ، ويمثل ازدواجية في التربية من جهة أخرى .
4- استعمال أسلوب الإهمال وهو من الأساليب التي يستعملها بعض التربويين للهروب من مواجهة المشكلة وحلها ، وتكمن خطورة هذا الأسلوب في أن إهمال المشكلة يعني أن المعلم أو المدير أو التربوي المختص لا يعنيه الأمر ، وهو انعكاس خطير على العملية التربوية ومستقبلها ، مما يتطلب الأمر من الجهات التربوية المختصة الانتباه له ، وتوجيه المعلمين إلى ضرورة السعي الجاد والحثيث لمواجهة أي مشكلة مدرسية وحلها بالطرائق والأساليب العلمية التربوية الحديثة ، وعدم إهمالها أو التقليل من أثارها السلبية المستقبلية على المدى المنظور في اقل تقدير على الطالب نفسه أو على من حوله .
فإذا كانت هذه الأساليب غير ناجحة في حل المشكلات التربوية، فما الأساليب التي يمكن اعتمادها أو اتخاذها في حل المشكلات التربوية التي تعاني منها الإدارة المدرسية بشكل متواصل في جميع الصفوف المدرسية والمدارس دون استثناء ؟
يرى بعض التربويين أن جملة من المبادئ التي إذا تم اعتمادها بشكل واضح ومناسب يمكن لها أن تنجح إلى حد كبير في حل أكثر المشكلات المؤثرة على سير العملية التربوية ، وان هذه المبادئ إذا استعملت بشكل مناسب وجيد يمكن أن تساهم مساهمة كبيرة في تقليص ظاهرة وجود المشكلات وعدم حلها بشكل مستمر ، هذه المبادئ يمكن أن تتضمن :
1- رصد الظواهر السلبية في المدرسة بشكل يومي من قبل الإدارة المدرسية ومناقشتها في اجتماعات طارئ إذا تطلب الأمر لاتخاذ قرارات حولها.
2- إشراك أولياء الأمور بشكل متواصل وإخبارهم بتقارير أسبوعية تكتب بمحاضر اجتماعات الإدارة المدرسية عن المظاهر السلوكية وغير التربوية التي تبدر من أبنائهم كي يطلعوا على الواقع التربوي والمشكلات التي تظهر في المدرسة وكي يشاركوا في مقترحات الحلول لها.
3- إشراك الجهات التربوية والعلمية المتخصصة والمعنية بالعملية التربوية بالواقع التربوي في المدرسة ، وإخبارهم بالظواهر السلبية غير التربوية المرصودة في المدارس من اجل التعاون بين هذه الجهات والإدارة المدرسية لوضع حلول علمية وتربوية موضوعية لهذه المشكلات ، من هذه الجهات الساندة المشرفين التربويين والإدارة الإرشادية في مديريات التربية والأطباء النفسانيين ومراكز البحوث التربوية والنفسية .
4- سعي الإدارة المدرسية الجاد إلى تنفيذ القوانين واللوائح والتعليمات الصادرة من الجهات التربوية العليا مثل وزارة التربية أو مديريات التربية في المحافظات واجب تربوي يجب تحقيقه لأنه أمانه في أعناق جميع أعضاء الإدارة المدرسية ، ولكن لا يعني هذا عدم وجود مرونة ذات فعالية ايجابية في مواجهة المشكلات المدرسية وحلها وهذا الأمر يعتمد وفقا لطبيعة المشكلة وظروفها وأثارها على العملية التربوية في المدرسة فضلا عن درجة المرونة المطلوبة في حل المشكلات .
5- إن الإبداع والابتكار في إيجاد حلول واقعية وفعالة للمشكلات المدرسية يعتمد بشكل كبير على رغبة الإدارة المدرسية في حل تلك المشكلات ، ورغبة المعلم نفسه في إيجاد الحل الأفضل والأنسب للمشكلة ، لذا فان اقتراح حلول بشكل إبداعي يحتاج إلى أفكار متجددة ومشاركة فعالة من جميع أعضاء الإدارة المدرسية والمشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات التربوية لحل تلك المشكلات دون الانفراد في اتخاذها من قبل المدير أو المعاون أو المعلم المعني بشكل مباشر بالمشكلة .
إن تلك المبادئ فضلا عن مبادئ أخرى شبيهة لها إذا اعتمدتها الإدارة المدرسية يمكن لها أن تحل معظم المشكلات والتي للأسف ربما تحل بطرائق غير تربوية أو تؤدي إلى تفاقم المشكلة واتساع غير مرغوب فيه لتأخذ حجم اكبر من حجمها الحقيقي ، وبالتالي فان هذه المبادئ المقترحة تصب في خدمة العملية التربوية في المدرسة لأنها تستهدف معالجة المشكلات التي ربما تؤثر على المعلم والتلميذ وقد تصل آثارها السلبية إلى خارج المدرسة فضلا عن آثارها السلبية على التحصيل الدراسي لبعض التلاميذ ، فلابد إذا من السعي الجاد والحثيث من قبل جميع التربويين والمختصين بالعملية التربوية لإيجاد الحلول للمشكلات المزمنة والطارئة وهو هدف تربوي وقيمة تربوية يسعى جميع التربويين إلى تحقيقها فضلا عما تحويه من غاية تربوية سامية .
د. غالب محمد رشيد الأسدي / جامعة بغداد / مركز الدراسات التربوية والأبحاث النفسية