أهمية إجراء دراسات تقويمية للعملية التربوية في المراحل الدراسية الأولية
د. غالب محمد الاسدي في 30 / 05 / 2009م
قسم : بحوث ومقالات تعليمية تربوية
يعد الإعداد المخطط والمنظم للعملية التربوية ومتطلباتها من أهم مقومات التخطيط التربوي ونجاحه، لذا تسعى الدول بمختلف اتجاهاتها ومستوياتها الاقتصادية والاجتماعية للبحث عن الوسائل والإمكانيات التي يمكن عن طريقها تطوير وتنمية وتعديل و تغيير محتويات العملية التربوية بشكل مستمر كي تواكب التقدم العلمي و الحضاري المتواصل والمتنامي في عالمنا المعاصر .
أن الأساس الذي تنطلق منه عملية تخطيط وتنفيذ العملية التربوية بمجمل محتوياتها هي فلسفة الدولة، والتي عادة ما ترصد ميزانيات للعملية التربوية تختلف من بلد إلى أخر وفق التقدم العلمي والاقتصادي والحضاري الذي فيه فضلا عن درجة غنى أو فقر هذا البلد، وبالتوازي مع متطلبات سوق العمل في ذلك البلد ،وبالتالي فان العملية التربوية في البلدان المتقدمة عادة ما تكون متقدمة أيضا ، أما البلدان الأخرى فتختلف مستويات العملية التربوية فيها وفق اهتمام المسئولين ومجتمعات تلك البلدان بها.
وعلى الرغم من اختلاف فلسفات الدول ، فقد أثبتت التجارب العالمية المختلفة السابقة أن الفلسفة التربوية مع وجود الاختلافات فيها فأنها تعمل بشكل ايجابي في إعداد الأجيال المستقبلية لتلبية حاجة البلاد من ملاكات مؤهلة اكادميا وعلميا في مختلف التخصصات فضلا عن الأيادي العاملة والخبرات العملية المختلفة التي تساهم في بناء الدولة وكيانها .
لذا تقاس مديات تقدم البلدان وتطورها في زمننا الحالي بمديات تعلم وثقافة شعوبها ، وهذا لا يأتي إلا عن طريق المخرجات التربوية والأجيال المتعلمة بشكل متواصل ، وللسبب نفسه تعد المدارس التربوية لاسيما المدارس التربوية الأولية الحجر الأساس لأي بناء علمي أو أكاديمي مستقبلي مهما كان نوعه أو درجة أهميته ، والدليل على ذلك أن البلدان التي تقل فيها نسبة الأمية وتزداد فيها نسبة المتعلمين والحاصلين على الشهادات العلمية المختلفة تعد من البلدان المتحضرة ، والتي خطت خطوات متقدمة في بناء مؤسسات الدولة بناءا حضاريا وعلميا سليما يرتقي بها وربما يجعلها في مصاف الدول المتقدمة حضاريا وثقافيا وصناعيا واقتصاديا .
ومن هنا فان التخطيط العلمي والموضوعي لإجراء دراسات تقويمية مستمرة للعملية التربوية يعد اللبنة الأولى في تحقيق كل ما يليها من خطوات علمية متقدمة لاسيما تقويم العملية التربوية في المدرسة الابتدائية لأنها الخطوة الأولى في التعليم النظامي للأجيال ، فإذا سارت العملية التربوية في هذه المرحلة بشكل علمي وتربوي وحققت نسب نجاح حقيقية وفعلية صحيحة انعكس ذلك على المراحل الدراسية التالية بالإيجاب أيضا ، أما أذا كانت العملية التربوية في المدارس الابتدائية يعتريها القصور والضعف في أي من محاورها أو محتوياتها فلابد أن ينعكس ذلك عمليا أيضا على المراحل الدراسية اللاحقة ، لذا فان إجراء الدراسات المسحية التقويمية في هذه المرحلة تساهم مساهمة كبيرة وتعين المسئولين في تقويم العملية التربوية بايجابياتها وسلبيتها وإمكانيات اتخاذ قرارات مهمة على أعلى المستويات لدعم الايجابيات وتعديل أو تغيير السلبيات في العملية التربوية ، ولا يأتي كل ذلك إلا عن طريق الدراسات المسحية الميدانية .
كما إن تقويم العملية التربوية بشكل متواصل ومستمر وخلال مدد زمنية مخطط لها تعد من أهم النجاحات التي يحققها المعنيون أو المسئولون أو الباحثون التربويون في المؤسسة التربوية عامة، وفي رؤية مديات ملائمة تلك العملية في تحقيق متطلبات المجتمع الذي وظفت العملية التربوية أصلا لتحقيق متطلباته وأهدافه ومساعيه وطموحاته المستقبلية .
إذ أن عمليات التقويم المستمرة يمكن الوصول عن طريقها إلى نقاط القوة والضعف في تلك العملية فضلا عن مديات الضعف أو القصور في بعض الجوانب ونقاط القوة في الجوانب الأخرى ، وإذ كانت العملية التربوية تُقوم عادة من قبل مختصين أو تربويين معنيين بالعملية التربوية وعلى مستويات عالية من التخصص والخبرة العملية والواقعية في تنفيذ العملية التربوية فان أي دراسة تقويمية لابد أن تضع في اعتباراتها أن يكون التقويم لتلك العملية شاملا ، وان محاور ذلك التقويم لابد أن يشمل مدراء المدارس و المعلمين والمشرفين التربويين فضلا عن الطلبة وأولياء أمورهم ووجهاء المدن أو الناشطين في منظمات المجتمع المدني بوصفهم جزءا مهما من شرائح المجتمع المختلفة والمعنية أو لها اطلاع بالواقع التربوي في المدارس .
إن التقويم الشامل لمحاور العملية التربوية يمكن أن يتضمن تقويم الأتي:
1- المناهج الدراسية من حيث كفايتها ونقاط الضعف والقصور فيها ومدى مناسبتها للمرحلة العمرية التي تدرس لها ، وخير من يعطي التقويم لهذا المحور هم المعلمون الذين يدرسون المواد الدراسية المختلفة ومشرفو المواد الدراسية.
2- إعداد المعلمين والذي يتضمن المواد الدراسية التي يدرسونها في الكليات أو المعاهد العليا ومدى مناسبتها لمتطلبات الحياة العصرية ومواكبتها للتطور والتقدم المستمر في جميع مناحي الحياة ، وكيفية اختيار الطلبة في تلك الكليات أو المعاهد المعنية فضلا عن اختيار المعلمين من تخصصات أخرى من غير تخصصات كليات التربية أو معاهد المعلمين ، وخير من يُقوم هذا الجانب المختصون في العلوم التربوية والنفسية من ذوي التخصصات العلمية العالية والخبرة الطويلة في البحث والتدريس الأكاديمي .
3- الأبنية المدرسية والتي تتضمن تصميم المدرسة والمختبرات والملاعب الرياضية وورش العمل وغيرها من المرافق المتعلقة بالدراسة أو المدرسة ، وخير من يُقوم هذا الجانب المهندسون المعنيون بالأبنية المدرسية والمختصون بالتخطيط التربوي وكل من له علاقة بالأبنية المدرسية .
4- الوسائل التعليمية والتي تتضمن الخرائط الجغرافية والتاريخية القديمة والمحدثة والمخططات التوضيحية المختلفة وأجهزة التعلم الحديثة التي على رأسها جهاز الحاسوب وشبكة الانترنت ، وخير من يُقوم هذا الجانب هم المختصون بالوسائل التعليمية .
5- النشاطات الصفية و اللاصفية وهي من الأمور التكميلية لعملية التربية والتعلم والتي تتضمن النشاطات العلمية والترفيهية والفنية والرياضية ، وخير من يُقومها المعلمون أو القائمون على إدارة هذه الأنشطة في مديريات التربية أو المدارس نفسها .
إن تلك العنصر في العملية التربوية رئيسية ومهمة ، ولكن لا يعني أنها كل العناصر التي تحتاج إلى التقويم وإنما نعتقد أن النجاح في تقويمها سيعطي صورة واقعية مدروسة للعملية التربوية في المدارس، والتي يمكن عن طريقها فيما بعد التخطيط المستقبلي حول الكيفية التي يمكن معالجة القصور والخلل أو الرقي بها إلى المستوى الذي يمكنها من تخريج أفواج من التلاميذ من كل المراحل الدراسية على أسس علمية صحيحة ومناسبة تنعكس على سلوكيات التلاميذ وقدراتهم التعليمية في المستقبل وبما يصب في خدمة المصلحة العامة، وهي من ابرز المهمات التربوية الملقاة على عاتق العاملين في الميدان التربوي ، إذ أن المطلوب من القائمين على العملية التربوية ليس تنفيذ التربية ونقلها إلى الأجيال فحسب، بل تطويرها وتطويعها بشكل مناسب وصحيح للعصر والزمان الذي تنقل فيه التربية ، وهي هدف عام يجب علينا جميعا السعي الحثيث والجاد نحو تحقيقه .