للهم صل وسـلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، وعلى كل من اقتفى أثره ، واستمسك بسنته ، وسار على طريقته ، وانتهج نهجه إلى يوم الدين. أما بعد :
فيا إخوة الإسلام :
إن الإسلام يسعى إلى إقامة مجتمع الجسد الواحد ، مجتمع المحبة والمودة ، وذلك لدعم أواصر الجماعة ، وتقوية الروابط بين المسلمين وفي سبيل ذلك حث الإسلام المسلمين على " الحب في الله " ورغبهم فيه .
ومعنى الحب في الله : أن يكون هذا الحب بالتزام المحب لمنهج الله ، فهو يحب الصالحين لصلاحهم ، وطاعتهم لربهم ، لا لقرابة أو نسب أو منافع مادية .
وحقيقة الحب في الله : ألا يزيد بالبر ، ولا ينقص بالجفاء .
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : (( من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ، ولن يجد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك … ))
( رواه ابن جرير )
وأبغض في الله : أي أبغض من كفر بالله وأشرك به وفسق عن طاعته لأجل ما فعلوه مما يسخط الله ، وإن كانـوا أقرب الناس إليه كما قال تعالى :} لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسـوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم {..
( 2 )
ووالى في الله : فإن من أحب الله تعالى أحب فيه ، ووالى أولياءه ، وعادى أهل معصيته وأبغضهم،وجاهد أعداءه ، ونصر أنصاره ، وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها ، ويكون ضعفها على قدر ضعف محبة العبد لربه ، فلا يصح الحب في الله إلا لمن قوى بالإيمان يقينه واطمأنت به نفسه ، وانشرح له صدره ، وخالط لحمه ودمه .
فالحب في الله ثمرة من ثمار حب الله .
واعلم أيها المسلم : أن كل محبة لغير الله تكون وبالاً على صاحبها يوم القيامة قال الله تعالى :
} الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين {[ الزخرف : 67 ]
أي كل صداقة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة ، إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه .
ويتحسر يوم القيامة من يتخذ في الدنيا خليلاً يضله عن سبيل الله فيقول : } ياويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً ، ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني{ [ الفرقان 28- 29 ]
إخوة الإسلام :
واعلموا أن الحب في الله والبغض في الله متلازمان ويسيران على خطين متوازيين .
فإن من أحب الصالحين لله **** لا بد وأن يبغض العاصين لله .
ومن أحب المؤمنين الموحدين **** لا بد وأن يبغض الكافرين المشركين
لذا قرن الرسـول rبينهما في كثير من أحاديثه يقول r: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " ( صحيح رواه الطبراني ) ويقول r إن أحب الأعمال الى الله تعالى الحب في الله والبغض في الله " ( رواه أحمد ) وفي حديث أبي أمامة مرفوعاً" من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنح لله فقد اسـتكمل الإيمان ( رواه أبو داود )
كما قال r " لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله ، فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان " ( رواه أحمد )
إخوة الإسلام :
إن الحب في الله يحقق مبدأ الترابط الجماعي الخالص بين المؤمنين وهو الترابط النقي من شوائب المصالح الشخصية والأهواء النفسية والشهوات المادية ، إذ هو حب لله خالص لوجهه .
( 3 )
لذا حرص الإسلام على كل ما من شأنه أن يقوي الحب في الله بين المسلمين فطلب النبي r ممن يحب أخاً له في الله أن يعلمه بذلك .
يقول r إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " رواه الترمذي بإسناد صحيح ، كما رغب النبي في الهدية لما لها من أثر طيب في توثيق عرى المودة فقال r " تهادوا تحابوا " رواه ابو يعلي بإسناد حسن ( صحيح الجامع )
كذلك بين r طريق المحبة الذي هو طريق الجنة فقال r : " والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم "
( رواه مسلم ) .
إخوة الإسلام :
وللحب في الله آثاره الطيبة بالنسبة للفرد والمجتمع على السواء فمجتمع تسود أفراده المحبة والمودة هو مجتمع ترفرف عليه السعادة من كل جانب وتشيع فيه البهجة والسرور ، لأنه مجتمع خال من الحقد والغش والحسد كل فرد فيه يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
كذلك يصبح هذا المجتمع مجتمع الأمن والأمان ، يأمن الإنسان فيه على نفسه وماله وعرضه ، فيعيش هادئ النفس قرين العين .
هذا بالنسبة للمجتمع … أما بالنسبة لك أنت أيها المسلم المحب في الله ، فإن الله يجود عليك من كرمه وإحسانه في الدنيا والآخرة .
فمن ثمار الحب في الله أن الله تعالى يكافئهم على ذلك بمحبة من عنده فيكونون من أحباب الله كما تحابوا فيه ، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r " أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى ، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال :لا ، غير أني أحببته في الله ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه .
وإذا أحب الله عبداً أحبه أهل السماء ووضع له القبول في الأرض .
ومن ثمار الحب في الله : أن الله يجعل للمتحابين فيه منابر من نور – يوم القيامة – يغبطون عليها يقول الله تعالى في الحديث القدسي : " المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"
( رواه الترمذي بإسناد صحيح )
( 4 )
ومن ثمار الحب في الله :
أن الله يظل المتحابين فيه في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله .
فكما في الحديث الذي رواه البخاري أن رسول الله r قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " وذكر منهم – ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه وتفرقا عليه " ( رواه البخاري )
ومن ثمرات المحبة في الله : أن يلحق المقصرون بالسابقين ويكونوا معهم في مراتبهم العلية يوم القيامة روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله r فقال : يا رسول الله ، كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( المرء مع من أحب )) .
أخوة الإسلام :
وليس الحب مجرد تعبير باللسان وإنما هو إخلاص وعمل .
فمن لوازم الحب في الله أن يبذل المحب النصيحة لمن يحبه ، لأن المحب يريد لمحبوبه كل خير ، ولا يعلم المؤمن خيراً إلا أرشد من يحبه إليه ، وقدم له النصيحة الطيبة .
ولقد ضرب الرسول r بنفسه المثل في الحب في الله وتقديم النصح لمن يحبه ، فها هو r يقول لمعاذ ابن جبل : " والله إني لأحبك " ثم يوصيه وصية نافعة فيقول : " لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " ( رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح )
هذا هو الحب الصادق الخالص ، وهذه علامته ، فحرى بنا أن نتحلى بهذا الخلق " الحب في الله " وأن نقتدي بالرسول r وصحبه الكرام .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم **** إن التشبه بالرجال فلاح
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم